دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد
![]() |
دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد |
من هو مرقس الإنجيلي؟
مرقس الإنجيلي هو واحد من أبرز الشخصيات في التاريخ المسيحي، ويُعد تقليديًا كاتب إنجيل مرقس، ثاني الأناجيل الأربعة في العهد الجديد. اسمه الكامل في بعض النصوص هو يوحنا مرقس، وكان يهوديًا من القدس، وقد تربى في بيت مسيحي عُرف بأنه من أوائل البيوت التي احتضنت جماعة المؤمنين الأوائل. ذُكر مرقس في سفر أعمال الرسل بوصفه ابن أخت برنابا، وكان له دور مهم كمرافق للرسل بولس وبرنابا في رحلاتهم التبشيرية.
مرقس لم يكن من التلاميذ الاثني عشر للمسيح، ولكنه كان على علاقة وثيقة ببطرس الرسول، ويُعتقد أن إنجيله استند إلى شهادات بطرس ومواعظه. عاش مرقس في بيئة متعددة الثقافات بين اليهود والرومان واليونانيين، وهذا ما يفسر أسلوبه المباشر والسهل في الكتابة، حيث يبدو أنه كتب لغير اليهود، خصوصًا الرومان.
يُقال أيضًا أن مرقس هو من أسس كنيسة الإسكندرية في مصر، وأنه استُشهد هناك في القرن الأول الميلادي، مما يجعله من أوائل الشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، التي تعتبره أول بابا للإسكندرية. إن معرفة خلفية مرقس الشخصية والروحية تساعد في فهم نبرة وشكل إنجيله الذي يركّز كثيرًا على عمل المسيح وقوّته الإلهية.
شاهد ايضا:
- دليل شامل لفهم إنجيل يوحنا في العهد الجديد
- دليل شامل لفهم إنجيل لوقا في العهد الجديد
- دليل شامل لفهم إنجيل متى في العهد الجديد
- ما هو العهد الجديد؟
من هو الكاتب الحقيقي لإنجيل مرقس؟
السؤال حول الكاتب الحقيقي لإنجيل مرقس قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى، لكن الباحثين في النصوص المقدسة كثيرًا ما يناقشون هذا الموضوع بدقة. بحسب التقليد الكنسي القديم، يُنسب الإنجيل إلى مرقس الإنجيلي، الذي كتب ما أملاه عليه بطرس الرسول، أحد أقرب التلاميذ إلى السيد المسيح. بعبارة أخرى، إنجيل مرقس يُعد انعكاسًا لشهادة بطرس عن حياة يسوع.
الأدلة الداخلية في الإنجيل تدعم هذه الفرضية، إذ إن الكاتب يُظهر دراية عميقة بتفاصيل الحياة اليومية في فلسطين، ولكنه يشرح في كثير من الأحيان العادات اليهودية للقارئ، ما يشير إلى أن جمهوره لم يكن يهوديًا. كذلك، استخدامه للغة اليونانية البسيطة، وشرحه للكلمات الآرامية، يدلان على خلفية غير يهودية للقرّاء.
أما من ناحية النقد الكتابي، فإن بعض الباحثين يشككون في أن مرقس هو الكاتب الوحيد أو الأصلي، ويقترحون أن الإنجيل ربما تم تنقيحه لاحقًا من قبل جماعة مسيحية قريبة منه. رغم ذلك، فإن الإجماع التقليدي والتاريخي لا يزال ينسب الإنجيل إلى مرقس، خاصة استنادًا إلى شهادة آباء الكنيسة مثل بابياس، أوسابيوس، وإيريناوس، الذين أكدوا على العلاقة بين مرقس وبطرس.
متى كتب إنجيل مرقس؟
تحديد زمن كتابة إنجيل مرقس أمر مهم لفهم سياقه التاريخي واللاهوتي. يُعتقد أن مرقس كتب إنجيله بين عامي 65 و70 ميلادي، وهي فترة شهدت اضطرابات شديدة في العالم اليهودي والمسيحي على حد سواء. من أبرز الأحداث التي حدثت في هذه الفترة كان تدمير الهيكل في القدس سنة 70 ميلادية، على يد الرومان، وهو حدث له أصداء في بعض تعاليم يسوع المذكورة في الإنجيل.
تشير بعض الدلائل الداخلية في إنجيل مرقس إلى أن الكاتب كان على دراية بهذه الأحداث أو على الأقل بتوترات ما قبلها، ما يدعم هذا التأريخ. وقد كتب مرقس إنجيله على الأرجح في روما، أثناء وجوده مع بطرس، لخدمة الكنيسة الرومانية التي كانت بحاجة إلى شهادة واضحة ومركّزة عن يسوع المسيح في ظل الاضطهاد.
الزمن الذي كُتب فيه الإنجيل يفسّر نبرته السريعة والمباشرة، إذ يستخدم مرقس كثيرًا كلمة "للوقت" أو "حالاً"، وكأنه يريد أن يسلّط الضوء على سرعة الأحداث وقوّتها. كما أن الجمهور الذي كُتب له الإنجيل، في ظل الاضطهاد الروماني، كان بحاجة إلى رؤية يسوع كمخلّص قوي، ومسيّا متألّم، وهو ما يظهر بوضوح في هذا النص.
أين كتب إنجيل مرقس؟
المكان الذي كتب فيه مرقس إنجيله هو موضع نقاش بين الباحثين، لكن الرأي الأوسع قبولًا هو أنه كُتب في روما. هذا الرأي يستند إلى شهادات آباء الكنيسة مثل إيريناوس وأوريجانوس ويوسابيوس، الذين ذكروا أن مرقس كتب إنجيله استنادًا إلى تعليم بطرس، وذلك خلال وجوده في روما.
روما في القرن الأول كانت مركز الإمبراطورية، وفيها وُجدت أولى الجماعات المسيحية غير اليهودية. كتابة إنجيل مرقس في روما يعني أنه استهدف جمهورًا أمميًا يعاني من الاضطهاد ويحتاج إلى دعم روحي وعقائدي. ولهذا، فإن الإنجيل يقدّم يسوع على أنه ابن الله القوي، لكنه أيضًا المسيح المتألم الذي يرافق المؤمن في معاناته.
كما أن بعض الخصائص اللغوية والأسلوبية في النص تشير إلى أنه كتب خارج فلسطين، مثل شرحه للعادات اليهودية وترجمته للكلمات الآرامية. هذه التفاصيل توحي بأن الكاتب كان يخاطب قرّاء من خلفية غير يهودية، وهذا يتماشى مع البيئة الرومانية.
ورغم وجود آراء قليلة تشير إلى إمكانية كتابة الإنجيل في أنطاكية أو الإسكندرية، إلا أن الأدلة التاريخية والأدبية تميل إلى تأكيد أن روما هي الموقع الأرجح لكتابة إنجيل مرقس.
ماذا يرمز إنجيل مرقس؟
إنجيل مرقس يحمل رمزية غنية ومهمة في اللاهوت المسيحي، وهو يُمثل شهادة حيّة عن حياة السيد المسيح وأعماله وتعاليمه. من الناحية الرمزية، يُنظر إلى إنجيل مرقس كرمز للقوة والعمل الفوري، إذ يركّز على الأعمال أكثر من الأقوال، ما يميزه عن باقي الأناجيل.
من أشهر الرموز المرتبطة بإنجيل مرقس هو الأسد المجنح، وهو واحد من الكائنات الأربعة التي ظهرت في رؤيا حزقيال وفي سفر الرؤيا. يُعبّر الأسد عن القوة، والكرامة، والملك، وهي صفات تنعكس في صورة المسيح كما يقدمها مرقس، حيث يُظهره كملك له سلطان على الأرواح النجسة، والمرض، والموت، والطبيعة.
رمزية أخرى مهمة في إنجيل مرقس هي رمزية الخادم المتألم. فرغم قوة المسيح الظاهرة، يُظهره مرقس كشخص متواضع يخدم الآخرين، ويقدّم نفسه فداءً عن كثيرين. هذه النظرة تعمّق فهمنا للعلاقة بين القوة والتواضع في شخصية يسوع.
كما يُرمز إنجيل مرقس إلى بداية الكرازة الإنجيلية، لأنه بحسب معظم الباحثين هو أول الأناجيل كتابةً. لذا، فإن رمزيته لا تقتصر فقط على المحتوى بل تشمل موقعه التاريخي في إعلان البشارة للعالم.
كم عدد معجزات السيد المسيح في إنجيل مرقس؟
يحتوي إنجيل مرقس على ما يقارب 18 معجزة قام بها السيد المسيح، وهو عدد يُظهر اهتمام مرقس الكبير بالجانب العملي في حياة يسوع. هذه المعجزات تشمل طرد الأرواح الشريرة، وشفاء المرضى، والسيطرة على الطبيعة، وإقامة الموتى، وغيرها من الأعمال الخارقة.
من بين هذه المعجزات نجد: شفاء حماة بطرس، تهدئة العاصفة، طرد روح نجس من رجل في كورة الجدريين، إقامة ابنة يايرس، شفاء نازفة الدم، إشباع الجموع، شفاء أصم أعقد، وإبراء أعمى بيت صيدا، وغيرها. إن وصف مرقس لهذه المعجزات يأتي بشكل حي ومباشر، ما يُعطي القارئ شعورًا بأنه شاهد عيان.
المعجزات في إنجيل مرقس ليست فقط عرضًا لقدرة المسيح، بل هي دلائل على هويته كابن الله، وتعبير عن محبته للبشر، وتأكيد على مجيء ملكوت الله. كما أنها تُظهر شفقة المسيح على المتألمين، وتُعزز دعوته للإيمان والتوبة.
اللافت أن مرقس كثيرًا ما يربط المعجزات بالإيمان، ويُظهر كيف أن استجابة الناس للمعجزات لم تكن دائمًا بالإيمان الكامل، ما يجعل المعجزة عنصرًا لاهوتيًا وتربويًا في آنٍ واحد.
ملخص إنجيل مرقس
إنجيل مرقس هو ثاني أسفار العهد الجديد، ويحتوي على 16 إصحاحًا. يتميز بسرعة السرد، والبنية الدرامية، والتركيز القوي على أعمال السيد المسيح. يبدأ الإنجيل بإعلان يوحنا المعمدان عن مجيء المسيح، ثم يُظهر يسوع وهو يعتمد في نهر الأردن، ويبدأ خدمته العلنية في الجليل.
يُركّز مرقس على معجزات يسوع أكثر من تعاليمه الطويلة، ما يجعله إنجيلاً عمليًا. كما يُظهر الصراع المتزايد بين يسوع والقادة الدينيين، ويُبرز رفض قومه له، وخيانة التلاميذ، ليُمهّد بذلك للآلام والصلب.
نقطة الذروة في الإنجيل تأتي في اعتراف بطرس أن يسوع هو المسيح، ثم يبدأ يسوع بالكشف عن مصيره كمسيّا متألم. يُختتم الإنجيل بوصف دقيق للآلام، والصلب، والقيامة، ما يُظهر يسوع كمخلّص منتصر رغم الألم.
ملخص إنجيل مرقس يُمكن تقديمه كقصة حياة يسوع من وجهة نظر واقعية، تُركّز على العمل والخدمة والفداء. وهو إنجيل يدعو القارئ إلى التبعية الصادقة، وتحمل الصليب، والإيمان بالرب القائم من بين الأموات.