هل المسيحيون يعبدون ثلاثة آلهة؟

كم إله يعبد المسيحيون؟
هل المسيحيون يعبدون ثلاثة آلهة؟


هل المسيحيون يعبدون ثلاثة آلهة؟



من خلال هذا المقال سوف أقدم شرح مبسط ومفصل لأحبائنا المسلمين. عزيزي القارئ، ربما سمعت أو قرأت من قبل أن "المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة"، وربما تساءلت في داخلك: كيف يؤمنون بالله ثم يقولون إن هناك الآب والابن والروح القدس؟ أليس هذا شركًا بالله؟

دعني أكون واضحًا معك: المسيحيون لا يعبدون ثلاثة آلهة، بل يؤمنون بإلهٍ واحدٍ لا شريك له. في هذا المقال، سأشرح لك العقيدة المسيحية الحقيقية بلغة واضحة، وبأمثلة قريبة للعقل، مع الاستعانة بالكتاب المقدس بتشكيله الصحيح – حتى تفهم من المصدر الأصلي لا من قول الناس.



شاهد ايضا:



أولًا: المسيحيون يؤمنون بإلهٍ واحد، لا بثلاثة آلهة


من أكثر المفاهيم الخاطئة التي تُوجَّه إلى المسيحية هي الاتهام بأن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة، وهو فهم خاطئ ومغلوط لا يستند إلى الحقيقة. في الحقيقة، المسيحيون يؤمنون بإله واحد فقط، وهذا هو جوهر الإيمان المسيحي. الإله في المسيحية هو واحد لا يتجزأ، وليس هناك تعدد للآلهة كما يظن البعض.


الكتاب المقدس واضح جدًا في هذا الأمر. في العهد القديم، يقول الرب في سفر التثنية:
  • «اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ.» (تثنية 6:4).
هذه الآية هي إعلان صريح لوحدانية الله، وهي نقطة أساسية لا يمكن تجاهلها.


وفي العهد الجديد، يؤكد الرسول يعقوب على نفس الحقيقة:
  • «أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللّهَ وَاحِدٌ. حَسَنًا تَفْعَلُ!» (يعقوب 2:19).
هنا نرى أن الإيمان بوحدانية الله ليس فقط معتقدًا بل حقيقة يؤمن بها الجميع، حتى الشياطين تعرف هذه الحقيقة!

لتقريب الفكرة، يمكن تشبيه الله كشمس واحدة لا تتجزأ، لكن لها ثلاث مظاهر: النور والحرارة والجسم. فالمسيحية تعلّم أن الله واحد في الجوهر لكنه موجود في ثلاثة أقانيم: الآب، الابن، والروح القدس. هذه الأقنوم ليست آلهة منفصلة بل وجوه مختلفة لشخص واحد إلهي، وهذا ما يسمى بالعقيدة التثليثية.



ثانيًا: ما هو المقصود بالآب والابن والروح القدس إذًا؟


عندما يقول المسيحيون إن الله هو "الآب والابن والروح القدس"، قد يبدو هذا غريبًا أو مربكًا لمن لم يعتد على هذا التعبير، خاصةً لأول مرة. ولكن الحقيقة أن المسيحية تؤمن بإله واحد فقط، الذي أعلن عن نفسه بطريقة مختلفة تسمى "الأقانيم الثلاثة". وهذه ليست آلهة منفصلة، بل ثلاثة مظاهر أو وجوه لإله واحد في الجوهر.


لنفهم أكثر:
  • الآب: هو الله الذي لا يُرى، هو الأصل والسبب لكل ما هو موجود. هو خالق السماوات والأرض، وهو الذي أرسل ابنه للعالم. (مثال: "ٱلرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" تثنية 6:4).
  • الابن: هو كلمة الله المتجسد، أي أن الله أخذ شكل إنسان في شخص يسوع المسيح، ليأتي ويخلص البشر. يسوع هو الله الظاهر في الجسد، وهو كامل الله وكامل إنسان في آن واحد.
  • الروح القدس: هو روح الله الذي يعمل في قلوب الناس، يرشّدهم ويقوّيهم ويمنحهم حياة جديدة. هو حضور الله الدائم بين المؤمنين.
هذه الأقانيم الثلاثة تختلف في "الشخصية" ولكنها واحدة في الجوهر الإلهي، لذلك لا يمكن أن نعتبرها آلهة منفصلة، بل إله واحد بوجه ثلاثي، وهذا ما يسمى بالعقيدة التثليثية.



ثالثًا: من الكتاب المقدس – الثالوث واضح


العقيدة التثليثية ليست مجرد فكرة أو اجتهاد بشري، بل هي مبنية على نصوص واضحة وصريحة في الكتاب المقدس نفسه. لننظر إلى بعض الآيات التي توضح هذا المفهوم بشكل جلي.

في إنجيل متى، يقول الرب يسوع لتلاميذه:
  • «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلْأُمَمِ، وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلْآبِ وَٱلِٱبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ.» (متى 28:19).
لاحظ هنا كلمة "بِٱسْمِ" بصيغة المفرد، ولم يقل "بأسماء" بصيغة الجمع، وهذا يؤكد وحدة الله بالرغم من وجود ثلاثة أقانيم: الآب، والابن، والروح القدس. فالأقانيم ليست ثلاثة آلهة مستقلة، بل إله واحد في ثلاثة أقانيم متحدة.

وفي رسالة يوحنا الأولى، نجد تأكيدًا آخر:
  • «فَإِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي ٱلسَّمَاءِ هُمْ ثَلَاثَةٌ: ٱلْآبُ، وَٱلْكَلِمَةُ، وَٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسِ، وَهَؤُلَاءِ ٱلثَّلَاثَةُ هُمْ وَاحِدٌ.» (1 يوحنا 5:7).
هنا نجد شهادة من الكتاب المقدس نفسه عن الثالوث، حيث أن الآب، والكلمة (الابن)، والروح القدس يشكلون معًا وحدة إلهية واحدة.

هذا التوحيد الثلاثي يوضح كيف يمكن أن يكون هناك ثلاثة أقانيم لكن إله واحد، ليس كما يظن البعض أن هناك ثلاثة آلهة منفصلة.


رابعًا: هل يوجد مثال يُقَرّب الفكرة؟


عندما نحاول فهم سر الإله الواحد في ثلاثة أقانيم، من الطبيعي أن نحتاج إلى أمثلة تساعدنا على استيعاب هذه الحقيقة التي قد تبدو معقدة أو غريبة في البداية.

رغم أن الله لا يُقاس بالمخلوقات، لأن جوهره مختلف تمامًا عن كل شيء في هذا الكون، لكن يمكننا استخدام أمثلة من طبيعة الحياة اليومية لتقريب هذه الفكرة.


1. مثال الشمس:

تخيل الشمس كمصدر واحد للطاقة، لكنها تظهر لنا بثلاث مظاهر مختلفة:
  1. قرص الشمس: هو المصدر الفعلي، ويشبه في ذلك "الآب"، الذي هو الأصل والسبب لكل شيء.
  2. الضوء الصادر من الشمس: هو الذي يُظهر كل شيء، ويشبه "الابن" الذي هو كلمة الله المتجسد الذي كشف لنا الله وأظهر محبته.
  3. الحرارة التي نشعر بها: هي تأثير الروح القدس في حياتنا، القوة التي تعطي الحياة وتنشط.
كل هذه العناصر (القرص، والضوء، والحرارة) هي واحدة من حيث المصدر، فهي لا تنفصل ولا تعمل بشكل مستقل، لكنها تظهر بأشكال مختلفة. وهذا يشبه كيف أن الآب والابن والروح القدس هم ثلاثة أقانيم في إله واحد.


2. مثال الإنسان:

الإنسان يتكوّن من ثلاثة أبعاد رئيسية:
  1. العقل: وهو مركز التفكير والوعي،
  2. الروح: وهي الجانب الروحي الذي يرتبط بالله،
  3. الجسد: وهو الشكل المادي الذي نراه.

هذه الأجزاء الثلاثة مختلفة في طبيعتها، لكنها تشكل شخصًا واحدًا. لا يمكن فصل الروح عن الإنسان أو العقل عنه، وهم يشكلون وحدة كاملة. كذلك الثالوث، فالثلاثة أقانيم متمايزون لكنهم في وحدة تامة.


خامسًا: لماذا يُسمى يسوع المسيح "ابن الله"؟


عندما يسمع البعض عبارة "ابن الله"، قد يظنون فورًا أن الأمر يشير إلى علاقة نسب بيولوجيّة مثل الإنسان مع والده. لكن في الثقافة اليهودية القديمة، كلمة "ابن" لا تعني بالضرورة ولادة جسدية أو نسب دموي، بل تعبر عن الانتماء إلى نفس الجوهر أو الطبيعة.

هذا يعني أن يسوع المسيح ليس "ابنًا" بمعنى ولد من الله بيولوجيًا، بل هو "ابن" بمعنى أنه يشارك الجوهر الإلهي ذاته، وهو الله المتجسد.


الكتاب المقدس يوضح هذا بجلاء في بداية إنجيل يوحنا:
  • «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِندَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ.» (يوحنا 1:1).
أي أن يسوع (الكلِمة) كان موجودًا منذ الأزل، وهو الله نفسه، لا مخلوقًا.

ثم في آية أخرى يشرح الإنجيل كيف أن هذا الكلمة (الابن) تجسّد ليعيش بين البشر:
  • «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلْآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.» (يوحنا 1:14).
أي أن الله أعلن نفسه وجاء في صورة إنسان حقيقي، ليخلص البشر ويُظهر لهم محبته الحقيقية.

إذاً، يسوع المسيح "ابن الله" بمعنى أنه تجسيد الله في الجسد، وليس ابنًا من حيث الولادة البيولوجية. هذا هو السبب الذي يجعل المسيحيين يؤمنون بأنه هو الله الحقيقي، وليس مجرد نبي أو مخلوق، بل هو الله المتجسد الذي جاء ليخلّص العالم.


سادسًا: هل قال المسيح نفسه إنه الله؟

في الكتاب المقدس، نجد يسوع المسيح يعلن عن لاهوته بوضوح وبطرق مختلفة، وهذا ليس مجرد اعتقاد مسيحي لاحق، بل هو تصريح مباشر منه بنفسه.

أولًا، في إنجيل يوحنا، يقول المسيح كلمات قوية جدًا:
  • «أَنَا وَٱلْآبُ وَاحِدٌ.» (يوحنا 10:30).
هذه العبارة تعني أن يسوع والآب يشتركان في نفس الجوهر الإلهي، أي أنهم واحد في الطبيعة الإلهية، لا أن يكونا شخصين منفصلين. هذا التصريح لم يكن مفهومًا سهلًا لدى اليهود، الذين كانوا يؤمنون بإله واحد فقط، ولهذا استاءوا كثيرًا.

ثانيًا، في موضع آخر، يستخدم يسوع تعبيرًا عميقًا جدًا يربط اسمه بالله الخالد:
  • «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ، أَنَا كَائِنٌ.» (يوحنا 8:58).
في هذا القول، يسوع يشير إلى اسمه الإلهي "أنا كائن" أو "أنا هو"، وهو الاسم الذي أعلنه الله لموسى في العهد القديم (خروج 3:14). هذه العبارة تعني أن يسوع هو الله الأزلي، الموجود منذ الأزل، بلا بداية.

رد فعل اليهود كان شديدًا، إذ فهموا أن يسوع يعلن لاهوته، وهذا كان يعتبر في نظرهم تجديفًا عظيمًا يستوجب العقاب بالموت. لذلك حاولوا أن يرمونه بالحجارة بسبب هذا الإعلان.

هذه التصريحات توضح بجلاء أن المسيح أعلن بنفسه أنه الله، وهو جوهر العقيدة المسيحية في الإيمان بالثالوث.


سابعًا: لماذا يصعب فهم هذا التعليم؟


عقيدة الثالوث أو مفهوم أن الله واحد في ثلاثة أقانيم هو من أعمق أسرار الإيمان المسيحي، وليس من السهل استيعابها بشكل كامل بالعقل البشري المحدود. السبب في ذلك بسيط وعميق في نفس الوقت: الله أكبر وأعظم من أن يُحاط به تمامًا بأفكارنا البشرية المحدودة.

الكتاب المقدس يؤكد هذا المعنى في سفر إشعياء، حيث يقول الربّ:
  • «لِأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلَا طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لِأَنَّهُ كَمَا ٱرْتَفَعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ عَنِ ٱلْأَرْضِ، هَكَذَا ٱرْتَفَعَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ، وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ.» (إشعياء 55: 8-9).

هذه الآيات تُبيّن بوضوح أن الله ليس فقط أكبر منّا، بل أفكاره وطرقه تختلف تمامًا عن أفكارنا المحدودة. لذا، لا نستطيع أن نفهم كل تفاصيل طبيعته الإلهية، أو كيفية اتحاد الجوهر الإلهي في ثلاثة أقانيم.

ولكن بالرغم من ذلك، الله أعطانا ما يكفي من الوحي لنؤمن به ونتعامل معه ونحبه، وهذا هو جوهر الإيمان الحقيقي: القبول بالسر الإلهي رغم عدم فهم كل تفاصيله، مع الثقة بأن الله محب وعادل.

وهكذا، من الطبيعي أن يصعب على العقل البشري أن يستوعب كل جانب من جانب الثالوث، لكننا نؤمن به لأن الله أعلن ذلك لنا، وعلّمنا أن نعبده كإله واحد في ثلاثة أقانيم.



الخاتمة

عزيزي القارئ المسلم، لقد استعرضنا معًا المفهوم الحقيقي الذي يؤمن به المسيحيون بشأن الله الواحد، وأوضحنا أن الإيمان بالثالوث ليس عبادة لثلاثة آلهة، بل هو إيمان بإلهٍ واحدٍ حيّ، أعلن نفسه بطريقة فريدة ومميزة، هي علاقة محبة وتواصل بين الآب والابن والروح القدس.


الثالوث ليس شركًا كما يُفهم خطأً أحيانًا، بل هو تجلٍ عميق لمحبة الله التي تتجاوز عقولنا، وهو الوسيلة التي بها يختبر الإنسان علاقة شخصية مع الله، ويشعر بحضوره وفداءه.

المسيح لم يأتِ ليُؤسس دينًا جديدًا قائمًا على تعدد الآلهة، بل جاء ليُظهر لنا قلب الله الرحيم، الذي يحب البشرية إلى درجة أنه بذل نفسه فداءً من أجل خلاصنا، ليمنحنا حياة جديدة ومغفرة حقيقية.

في هذا المعنى يقول الكتاب المقدس بكل وضوح وببساطة:
  • «لِأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ، حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونَ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلْأَبَدِيَّةُ.» (يوحنا 3:16).
هذه المحبة هي جوهر الإيمان المسيحي، الذي يدعوك لأن تفتح قلبك لتتعرف على الله الحقيقي، الذي هو واحد في جوهره، لكن محبته عظيمة، وتتجلى في أقنومه الثلاثة.

نسأل الله أن يبارك فهمك، ويهدي قلوبنا جميعًا إلى الحق، لأن معرفة الله هي أعظم هبة يمكن أن ينالها الإنسان.
المنشور التالي المنشور السابق