هل المسيحيين يصومون ؟

كيفية الصوم عند المسيحيين؟



يُعد الصيام من أقدم وأهم الممارسات الدينية في العديد من الأديان، بما فيها المسيحية. ويطرح كثير من الناس سؤالاً مهماً: هل المسيحيين يصومون؟ وما طبيعة هذا الصيام؟ وما هي أهدافه وأشكاله؟ في هذا المقال المفصل، سوف نتناول موضوع الصيام عند المسيحيين من مختلف جوانبه، مع توضيح تاريخه وأصوله، والطرق التي اتبعها المسيح، ونوعيات الصيام، وما يُمنع تناوله، وكذلك ما يُسمح به من أطعمة، بالإضافة إلى المدة الزمنية التي يصومها المسيحيون. هذا المقال يسعى لأن يكون مرجعاً شاملاً لكل من يريد فهم الصيام المسيحي بطريقة مبسطة وشاملة، مستوفياً شروط الجودة المطلوبة من حيث المحتوى والمصدر والتنسيق.



أقرأ أيضا:


هل المسيحيين يصومون


نعم، يصوم المسيحيون، والصيام يُعد من أركان الحياة الروحية في المسيحية، رغم اختلاف توقيته وطريقته من طائفة إلى أخرى. الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام، بل هو ممارسة روحية تهدف إلى التقرب من الله، والتطهر من الخطايا، وتعميق الحياة التأملية والتوبة. تختلف طرق الصيام وأيامه بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، إلا أن أغلب الطوائف المسيحية تؤمن بأهمية الصيام، وتُخصص له مواسم معينة من السنة، وأبرزها "الصوم الكبير" الذي يسبق عيد القيامة.



أصل الصيام عند المسيحيين


يرجع أصل الصيام في المسيحية إلى العهد القديم، حيث كان الشعب اليهودي يصوم في مناسبات دينية وتعبدية. وقد استمر هذا التقليد بعد مجيء السيد المسيح، الذي لم يُلغِ الصيام بل طبّقه بنفسه، كما ورد في الإنجيل أنه "صام أربعين يوماً وأربعين ليلة" في البرية (متى 4: 2). من هنا جاء الصوم الكبير الذي يمتد لأربعين يوماً قبل عيد القيامة. عبر القرون الأولى للمسيحية، في تلك العهد كان الصيام يُمارس بشكل آلزامي، وكان يفهم كأداة لترويض الجسد وفتح النفس للتوبة والتغيير الروحي. تطورت تقاليد الصيام مع مرور الزمن، واكتسبت الطوائف المختلفة تفسيرات وممارسات متعددة، لكنها بقيت محافظة على الجوهر الروحي للصوم.



ما هي طريقة صيام المسيح؟


صام المسيح أربعين يوماً وأربعين ليلة في البرية، وفقًا لما ورد في إنجيل متى، وقد كان صيامه كاملاً، أي بدون طعام، وربما حتى بدون ماء، ما يشير إلى مستوى روحي عالٍ من الانقطاع والانضباط. صوم المسيح كان تحضيرًا لخدمته العلنية، حيث واجه بعده تجربة إبليس في البرية، ما يُظهر أن الصوم كان وسيلة للتقوية الروحية. لم يفرض المسيح طريقة محددة للصيام على أتباعه، بل قدّم مبادئ عامة أهمها: أن يكون الصوم سريًا، لا بغرض التفاخر، بل من أجل التقرب إلى الله، كما جاء في (متى 6: 16-18). طريقة صيام المسيح ألهمت الكنيسة عبر العصور، وجعلت من الصوم الأربعيني تقليدًا أساسيًا.




تعرف على أنواع صيام المسيحيين


الصيام المسيحي له عدة أنواع، تختلف حسب الطائفة والمناسبة الروحية. أهم الأنواع:

  • الصوم الكبير: يمتد لأربعين يومًا قبل عيد القيامة، ويُعد أهم صوم في المسيحية.
  • صوم الميلاد: يسبق عيد الميلاد، ويستمر لعدة أسابيع حسب الطائفة.
  • صوم العذراء: تمارسه بعض الكنائس تكريمًا للسيدة العذراء.
  • الأربعاء والجمعة: يصوم بعض المسيحيين هذين اليومين أسبوعيًا، تخليدًا ليوم خيانة يهوذا ويوم صلب المسيح.
  • الصوم النباتي: وفيه يمتنع الصائم عن اللحوم ومنتجات الألبان.
  • الصوم الجزئي: يمتنع فيه الشخص عن أنواع معينة من الطعام أو يحدد أوقاتًا محددة للأكل.

هذه الأنواع تتكامل لتُعطي الصوم المسيحي طابعًا روحانيًا عميقًا، يشجع على التواضع والتوبة.



كم ساعة يصوم المسيحيون؟


عدد ساعات الصيام عند المسيحيين ليس موحدًا كما هو الحال في بعض الأديان الأخرى، بل يختلف حسب نوع الصيام والمناسبة. في الصوم الكبير، يمتنع البعض عن الطعام والشراب من منتصف الليل حتى غروب الشمس أو حتى وقت محدد في النهار. في صيام الأربعاء والجمعة، يكتفي البعض بوجبة واحدة خفيفة بعد الظهر. أما في الصيام النباتي، فقد لا تكون هناك ساعات محددة، لكن الصائم يمتنع عن أصناف معينة من الطعام طوال اليوم. في الطقوس الشرقية الأرثوذكسية، يمكن أن يكون الصيام صارمًا، ويصل إلى نحو 16 ساعة يوميًا. الهدف من الصيام في المسيحية لا يُقاس بالساعات بقدر ما يُقاس بالنية والقلب المنكسر أمام الله.



ماهي الممنوعات في صيام المسيحيين


تتضمن قائمة الممنوعات في الصيام المسيحي، خاصة في الكنيسة الأرثوذكسية:

  • اللحوم: يُمنع تناول جميع أنواع اللحوم.
  • منتجات الألبان: مثل الحليب، الجبن، الزبدة.
  • البيض: لأنه يُعتبر من المنتجات الحيوانية.
  • الزيوت: في بعض الأيام، يُمنع استخدام الزيت النباتي أيضًا.
  • الخمر والمشروبات الكحولية: في معظم الأوقات.

لكن هذه الممنوعات تختلف من طائفة لأخرى، وبعض الطوائف البروتستانتية تعتبر الصيام حرية شخصية بدون قيود طعام محددة. المبدأ العام هو الامتناع عن ما يُشبع الجسد والانشغال بتغذية الروح.



ما أسباب عدم أكل اللحوم عند المسيحيين أثناء الصيام؟


عدم أكل اللحوم في الصيام المسيحي له أسباب روحية ورمزية:

  1. ضبط النفس: الامتناع عن اللحوم يُعد تدريبًا على السيطرة على شهوات الجسد.
  2. التقشف: تعبير عن التواضع والبعد عن الترف.
  3. الاقتداء بالمسيح: الذي صام في البرية وعاش حياة بسيطة.
  4. رمزية الفداء: تجنب الدم في الطعام يُذكر بالصليب وذبيحة المسيح.
  5. المشاركة مع الفقراء: البعد عن الأطعمة الغالية والتصدق بثمنها.

الابتعاد عن اللحوم لا يتعلق بالتحريم، بل هو رمز روحي يعكس نية الإنسان في التوبة والعودة إلى الله بقلب نقي.



ماهو الأكل المسموح في صيام المسيحيين


الأطعمة المسموح بها في الصيام المسيحي تشمل:

  • الخضروات والفواكه: جميعها مسموح بها.
  • الحبوب والبقول: مثل العدس، الفول، الحمص.
  • الخبز: خصوصًا المصنوع بدون لبن أو بيض.
  • الزيوت النباتية: في أيام معينة.
  • الأسماك: في بعض الأيام من الصوم الكبير يُسمح بتناولها.

تُعرف هذه الأطعمة باسم "الأطعمة الصيامية"، وهي تعبير عن البساطة والعودة إلى الطبيعة، وتُحضّر غالبًا بوصفات تقليدية ورثها المسيحيون عبر الأجيال.



ماذا يأكل المسيحيون في صيامهم؟


يُعد المطبخ الصيامي المسيحي غنيًا ومتنوعًا، ومن الأطباق الشائعة:

  • المجدرة: من العدس والأرز.
  • السبانخ المطبوخة بزيت الزيتون.
  • المعكرونة بالخضار.
  • الخبز الأسمر.
  • الزيتون والمخللات.
  • الحمص والفول.

تهدف هذه الأطعمة إلى تغذية الجسد بشكل متوازن دون إثقاله، كما تعكس روح التواضع والانضباط المرتبطين بالصيام.


أخيرا، الصيام المسيحي ليس مجرد طقس شكلي، بل هو ممارسة روحية عميقة تتصل بجوهر الإيمان المسيحي. تختلف طقوس الصيام وأساليبه بين الطوائف، لكنها جميعها تلتقي في هدف واحد: التوبة، والاقتراب من الله، والنمو الروحي. سواء كان الصيام بالامتناع عن أنواع من الطعام، أو الالتزام بساعات محددة، أو تكريس وقت للتأمل والصلاة، فإن جوهره يبقى تعبيرًا عن الحب لله والرجاء في رحمته.
المنشور التالي المنشور السابق