آخر المواضيع 📰
جاري التحميل...

تعرف على كنيسة القديس جورج الأنجليكانية بتونس

كنيسة القديس جورج الأنجليكانية بتونس
تعرف على كنيسة القديس جورج الأنجليكانية بتونس


وسط الزحام التاريخي لمدينة تونس، وتحديدًا عند التقاء نهج أحمد بيرم ونهج باب قرطاجنة، تقف شامخة كنيسة القديس جورج الأنجليكانية، وهي واحدة من أبرز المعالم الدينية التي تمثل الوجود البريطاني والأنجليكاني في البلاد منذ قرون. تحمل هذه الكنيسة بين جدرانها تاريخًا ثريًا ومزيجًا من الثقافات، وهي ليست فقط مكانًا للعبادة، بل أيضًا رمزًا للعلاقات الدولية، وقصة عن التسامح الديني والانفتاح الحضاري.

في هذه المقالة، نستعرض بالتفصيل تاريخ الكنيسة، هندستها، موقعها، أهم الشخصيات المرتبطة بها، ودورها الحالي في الحياة الدينية والدبلوماسية في تونس.



شاهد أيضا:

تعرف على كنيسة القديس جورج الأرثوذكسية بتونس
تعرف على كنيسة كاتدرائية القديس لويس بقرطاج
تعرف على كنيسة القديس ألكسندر نيفيسكي ببنزرت
تعرف على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بتونس




كنيسة القديس جورج الأنجليكانية: لمحة تاريخية عريقة

جذور تعود إلى القرن السابع عشر


تعود أصول موقع كنيسة القديس جورج الأنجليكانية إلى سنة 1648، حيث وُثّقت أول عملية دفن في هذا المكان، وكانت للتاجر الإنجليزي "صموئيل ويب". وفي ظل الحكم الحسيني، قام حمودة باشا باي بمنح هذا الموقع للجالية البروتستانتية بدعم من القنصل الإنجليزي آنذاك توماس كامبيون. وكان الهدف من ذلك تخصيص مساحة لدفن أفراد الجالية الإنجليزية والبروتستانت المقيمين في تونس.

لاحقًا، قرر رمضان باي في حدود عام 1696 دفن والدته "ماري"، البروتستانتية ذات الأصل الإيطالي في هذا المكان، مما أضفى عليه بُعدًا رمزيًا وتاريخيًا. وهكذا تحوّل الموقع تدريجيًا إلى مقبرة تضم رفات العديد من الشخصيات البريطانية، خاصة القناصل العامين والتجار وأعضاء الجالية الدبلوماسية.




بناء الكنيسة: من مقبرة إلى معلم ديني رسمي

مشروع معماري بريطاني في قلب العاصمة


في سنة 1848، أمر المشير أحمد باي بإعادة تأهيل المكان وبناء معبد ديني ملائم، وهو ما شكّل أول خطوة لتحويل هذا الفضاء من مقبرة بسيطة إلى كنيسة منظمة. غير أن الشكل النهائي للكنيسة كما نعرفه اليوم لم يكتمل إلا سنة 1901، بعد انطلاق أشغال البناء في الفترة ما بين 1894 و1896، وذلك بموجب اتفاق بين السلطات البريطانية والسلطات المحلية التونسية.

استُوحي الطراز المعماري للكنيسة من كنيسة أنجليكانية تقع في مدينة باتراس اليونانية، مما أضفى عليها لمسة أوروبية أنيقة ومتميزة. وقد أشرف على تدشينها الرسمي أسقف جبل طارق في فبراير من نفس السنة.




الموقع الجغرافي الاستراتيجي لكنيسة القديس جورج

في قلب حي الحارة الشعبي بتونس العاصمة


تقع الكنيسة في أحد الأحياء التاريخية الشعبية بتونس العاصمة، والمعروف بـ"الحارة". وقد كان هذا الموقع في السابق يحمل اسم "شارع البروتستانت"، نظرًا لتواجد المقبرة البروتستانتية فيه. يربط هذا الشارع بين حي الحفصية وحي الباساج، ما يمنح الكنيسة موقعًا استراتيجيًا، سهل الوصول إليه من مختلف أنحاء المدينة.

الإحداثيات الجغرافية الدقيقة للكنيسة هي 36°48′12″ شمالاً، و10°10′25″ شرقًا. كما يُمكن الوصول إليها بسهولة من باب قرطاجنة، أحد أبواب المدينة القديمة في تونس.




رموز وشخصيات دُفنت في حديقة الكنيسة

توماس ريد: القنصل البريطاني ومُحرر العبيد


واحدة من أبرز الشخصيات التي دُفنت في مقبرة الكنيسة هو القنصل البريطاني توماس ريد، الذي شغل منصب القنصل العام في تونس بين عامي 1824 و1849. ويُذكر له أنه لعب دورًا مهمًا في إلغاء العبودية بتونس عام 1845، مما جعله رمزًا إنسانيًا مهمًا في تاريخ العلاقات التونسية البريطانية.

كذلك يوجد نصب تذكاري للشاعر والمسرحي الأمريكي جون هاوارد باين، الذي كان قنصلاً عامًا للولايات المتحدة في تونس، وتوفي فيها سنة 1852. جثمانه نُقل لاحقًا إلى بلده الأصلي، لكن الذاكرة بقيت محفوظة في المكان.



الجانب الديني: الطقوس والخدمة الروحية

دور الكنيسة في تقديم الطقوس الأنجليكانية


كنيسة القديس جورج ليست فقط أثرًا تاريخيًا، بل ما زالت تمارس فيها الطقوس الدينية إلى يومنا هذا. تُقام بها الصلوات حسب الطقس الأنجليكاني، وتخدم الجالية المسيحية المقيمة في تونس، خاصة من الناطقين بالإنجليزية. السفارة البريطانية بتونس هي الجهة المسؤولة عن إدارة الكنيسة، مما يعزز من حضورها الدبلوماسي والديني في آنٍ واحد.

تستقطب الكنيسة أيضًا زوارًا من السياح، والمهتمين بالتاريخ الديني في تونس، إضافة إلى الجاليات المقيمة. كما يُستخدم مبناها في بعض المناسبات الثقافية أو اللقاءات الحوارية بين الأديان.




أهمية كنيسة القديس جورج في السياحة الثقافية والدينية

وجهة للباحثين في العمارة والتاريخ


تُعد كنيسة القديس جورج الأنجليكانية من أهم المعالم الدينية في تونس التي تعكس الطراز المعماري البريطاني في شمال إفريقيا. يجذب تصميمها الداخلي والخارجي المهتمين بالتراث المعماري والكنسي، إضافة إلى الباحثين في تاريخ الحضور الأوروبي في العالم العربي.

كما تُدرج هذه الكنيسة ضمن الجولات السياحية لبعض وكالات الأسفار، خصوصًا المهتمة بالسياحة الثقافية والدينية. وبالتالي، فهي تلعب دورًا في تعزيز السياحة البديلة لتونس، بعيدًا عن الشواطئ والفنادق.



كنيسة القديس جورج وعلاقتها بالمجتمع المدني

منبر للسلام والتسامح بين الأديان


من اللافت في مسيرة هذه الكنيسة، أنها لم تكن يومًا محصورة في إطار طائفي ضيق. بل كانت ولا تزال منبرًا للتواصل بين الأديان والثقافات. ومن خلال تنظيم بعض اللقاءات الحوارية أو المساهمات الاجتماعية، ساهمت الكنيسة في تكريس قيم التعايش السلمي، في بلد عرف تنوعًا دينيًا وتاريخيًا مهمًا.



حقائق قد لا تعرفها عن كنيسة القديس جورج


  • أقدم قبر في مقبرة الكنيسة يعود لسنة 1648.
  • كانت تُعرف المنطقة المحيطة بها بـ"شارع البروتستانت".
  • الكنيسة الحالية بُنيت على الطراز المعماري لكنيسة تقع في مدينة باتراس اليونانية.
  • تضم الكنيسة 114 شاهدة قبر أو نقش جنائزي.
  • أُقيمت أول كنيسة معدنية مؤقتة قرب نهج إسبانيا سنة 1877، قبل تشييد المبنى الحالي.




ختاما، تمثل كنيسة القديس جورج الأنجليكانية بتونس نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، بين الشرق والغرب، وبين الأديان المختلفة التي اجتمعت في تونس منذ قرون. هي ليست فقط مبنىً حجريًا يروي قصة منسية، بل كيان حيّ يواصل أداء دوره الروحي والثقافي والدبلوماسي حتى يومنا هذا.

فإن كنت من محبي التاريخ، أو تبحث عن أماكن هادئة للروح والتأمل، فلا تتردد في زيارة هذه الكنيسة الفريدة، التي تقدم شهادة حيّة على التعايش الحضاري والديني في تونس.

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url