آخر المواضيع 📰
جاري التحميل...

تعرف على كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل بحلق الوادي

كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل بحلق الوادي
تعرف على كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل بحلق الوادي

في قلب مدينة حلق الوادي، إحدى ضواحي العاصمة التونسية، تقف كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل شامخة بتاريخها الغني، وروحانيتها العميقة، وجمالها المعماري الفريد. إنها ليست مجرد مبنى ديني، بل هي ذاكرة حيّة لتاريخ تونس المتعدد الثقافات والأديان. تجمع هذه الكنيسة بين الطابع الروحي العميق والبعد الإنساني، حيث تستقبل مؤمنين من خلفيات مختلفة، وتحتضن فعاليات دينية واجتماعية تمثل فسيفساء التنوع الذي يميز تونس.




أقرأ ايضا:

تعرف على كنيسة القديس جورج الأنجليكانية بتونس
تعرف على كنيسة القديس جورج الأرثوذكسية بتونس
تعرف على كنيسة كاتدرائية القديس لويس بقرطاج
تعرف على كنيسة القديس ألكسندر نيفيسكي ببنزرت





كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل: موقعها وأهميتها


تقع كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل في منطقة حلق الوادي، المعروفة بطابعها الأوروبي وتأثيراتها الإيطالية والمالطية. تشتهر حلق الوادي بشواطئها الجميلة وأجوائها الهادئة، ولكن هذه الكنيسة تُعتبر جوهرتها الخفية. تشكل الكنيسة جزءًا من الحي المعروف باسم "صقلية الصغيرة" أو La Petite Sicile، حيث كانت تعيش جالية كبيرة من الإيطاليين، خصوصًا من جزيرة صقلية.

الكنيسة ليست فقط مكانًا للعبادة، بل تعتبر مركزًا اجتماعيًا وثقافيًا يجمع الجاليات الناطقة بالفرنسية والإنجليزية، خاصة المجتمع الأفريقي المقيم في تونس، والذي يجد فيها مساحة للتلاقي الروحي والاجتماعي.




التاريخ العريق لبناء الكنيسة


البدايات الأولى: من الرؤية إلى التأسيس


على الرغم من وجود سجلات رعوية تعود إلى عام 1838، فإن بداية تشييد الكنيسة الحالية كانت سنة 1848، واستمرت أعمال البناء حتى اكتملت في 1872. وقد تم وضع حجر الأساس في 19 مايو 1848، بدعم من الراهب الكبوشي فيديل سوتر (Fidèle Sutter)، الذي أراد أن تكون الكنيسة مركزًا يخدم الجالية المسيحية في تونس.

اختير اسم "فيديل" تقديرًا له، ووُضع المبنى تحت حماية القديس فيديل، الذي اشتهر بإيمانه القوي وتفانيه في خدمة الكنيسة، ليكون شفيعًا للمكان.



دور الأوغسطينيين والآباء المالطيين في الكنيسة


في نهاية القرن التاسع عشر، وبالتحديد سنة 1898، تدخل الكاردينال الشهير شارل مارسيال لافيجري، وطلب من رهبنة القديس أوغسطينوس، وهم رهبان من أصل مالطي، تولي مسؤولية الإشراف على الكنيسة. وقد لعب هؤلاء الرهبان دورًا كبيرًا في تعزيز الحياة الروحية وتوسيع خدمات الكنيسة.

الأب ساليبا: الراهب الذي ترك بصمة لا تُنسى


أشهر هؤلاء الرهبان هو الأب ساليبا (Salibat)، الذي خدم في الكنيسة من سنة 1901 حتى 1939، وكان له تأثير كبير في تجديد البناء وتحسين ديكوره الداخلي، مما زاد من جمالية المكان وجذبه للزوار والحجاج.




كنيسة نوتردام دو تراباني والحج الشعبي


في فترة ازدهار الكنيسة، تحولت إلى مركز للحج الشعبي، خاصة مع وجود تمثال العذراء مريم "سيدة تراباني". كانت تقام مواكب دينية سنوية تمر عبر شوارع حلق الوادي، وكانت تجمع السكان المحليين والزوار من مختلف أنحاء تونس، وخاصة الجاليات الإيطالية والمالطية.

آخر موكب أقيم كان بتاريخ 15 أغسطس 1965، في احتفال مهيب بذكرى صعود مريم العذراء، وهو يوم لا يزال محفورًا في ذاكرة الكثيرين.



الترميم وإعادة الحياة للكنيسة في القرن الحادي والعشرين


أعمال الصيانة والتجديد منذ سنة 2007


منذ سنة 2007، بدأت حملة ترميم وصيانة واسعة النطاق للكنيسة، لإعادة إحيائها وتجديد زينتها الداخلية والخارجية. وقد ساهم الرسام الإيطالي ألبيرتو بوغاني (Alberto Bogani) في إضفاء طابع فني خاص على الكنيسة من خلال لوحات وزخارف جديدة تعكس الطابع الروحي والمعماري الأوروبي.



الكنيسة اليوم: مجتمع حي ومتنوع


القداديس وخدمة الجاليات الأجنبية


تستقبل الكنيسة اليوم جالية ناطقة بالإنجليزية، خصوصًا من أفريقيا جنوب الصحراء، وتُقام فيها القداديس كل يوم أحد على الساعة 10 صباحًا باللغة الإنجليزية، ويوم السبت على الساعة 5 مساءً بالفرنسية. كما تُقام القداديس اليومية من الاثنين إلى الجمعة على الساعة السابعة صباحًا، مما يجعلها من الكنائس القليلة في تونس التي تُقيم شعائر منتظمة ومتعددة اللغات.


راهبات الأم تريزا وخدمة الإنسانية


تعيش في الكنيسة مجموعة من راهبات المحبة، المعروفات باسم راهبات الأم تريزا، حيث يقمن بخدمة بعض الجدات المسنات من أصول إيطالية، واللواتي اخترن إنهاء حياتهن في تونس، البلد الذي احتضنهن طوال حياتهن. هذا الجانب الإنساني يبرز روح المحبة والتضامن التي تُميز الكنيسة عن غيرها.




الآباء اللعازريون واستمرارية الرسالة


في شهر سبتمبر 2011، حلّت مكان الآباء السالزيان جماعة جديدة من الآباء اللعازريين، أو Congrégation de la Mission، وهي رهبنة معروفة بخدمتها للفقراء والمهتمة بالرسالة التعليمية والتبشيرية. جاء هذا التغيير ضمن مسار تجديد الرؤية الرعوية وتوسيع نطاق الخدمات الروحية والاجتماعية التي تقدمها الكنيسة.



الهندسة المعمارية والرمزية الدينية


تتميز الكنيسة بطابع معماري يمزج بين الكلاسيكية الأوروبية والزخارف الإيطالية، مع لمسات صقلية واضحة. تحتوي على تماثيل ولوحات دينية جميلة، أبرزها تمثال العذراء مريم سيدة تراباني، والذي يُعد رمزًا للحماية والأمل لدى كثير من المؤمنين.

الكنيسة أيضًا تحتوي على مذبح حجري رائع، ونوافذ زجاجية ملوّنة تجسد مشاهد من حياة السيد المسيح والقديسين، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للتأمل والصلاة.




لماذا تستحق الزيارة؟


  • كنيسة تاريخية ترجع إلى القرن التاسع عشر.
  • موقع مميز في منطقة حلق الوادي السياحية.
  • مكان مفتوح لجميع الجنسيات والديانات، يعكس روح التسامح والتعدد الثقافي في تونس.
  • فعاليات دينية وإنسانية تبرز الوجه الآخر للمسيحية في بلد مسلم.
  • جمال معماري وفني نادر الوجود في المنطقة.



الكنيسة في السياق التونسي


في بلد كـ تونس، حيث يشكل المسلمون الأغلبية الساحقة، تظل الكنائس والمعالم المسيحية شاهدة على تاريخ طويل من التعايش والتسامح الديني. وتُعد كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل واحدة من أبرز رموز هذا التعايش، حيث تستقطب الزوار ليس فقط للصلاة، بل أيضًا لاكتشاف التراث والتاريخ المشترك.



رسالة سلام وأمل


ختاما، إن كنيسة القديس أوغسطينوس والقديس فيديل بحلق الوادي ليست مجرد مبنى حجري بل هي رسالة محبة وسلام، يتردد صداها كل يوم أحد في تراتيل القداس، وكل صباح في لحظة تأمل. إنها شاهد على حياة مشتركة بين ثقافات وأديان متعددة، ومرآة تعكس قدرة الإنسان على بناء جسور المحبة والتفاهم.

في ظل عالم يبحث عن السلام والاستقرار، تظل هذه الكنيسة منارة صغيرة تنير الطريق، وتدعونا جميعًا للتأمل في معاني التآخي والرحمة التي تتجاوز كل الحدود.

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url