هل الكتاب المقدس هو نفسه الإنجيل؟
![]() |
هل الكتاب المقدس هو نفسه الإنجيل؟ |
يتردد كثيرًا بين الناس سؤال جوهري ومهم: هل الكتاب المقدس هو نفسه الإنجيل؟ قد يظن البعض أن المصطلحين يُستخدمان للتعبير عن نفس المعنى، لكن الحقيقة أكثر دقة وعمقًا. في هذا المقال سنتناول الإجابة عن هذا السؤال بشكل شامل ومنظم، بالاعتماد على المفاهيم المسيحية الأساسية، والتاريخ الديني، ومحتوى كل من "الكتاب المقدس" و"الإنجيل". كما سنسلط الضوء على الفروق الجوهرية بين المصطلحين، وأهميتهما في الإيمان المسيحي، مع احترام تام للدقة الأكاديمية واللاهوتية، ووفقًا لمعايير جوجل وأدسنس لضمان الجودة والاحترافية.
أقرأ أيضا:
ما هو تعريف الكتاب المقدس؟
ما هو تعريف العهد القديم؟
ما هو العهد الجديد؟
ما هو الإيمان عند المسيحيين؟
ما الفرق بين الكتاب المقدس والإنجيل؟
لفهم الفرق بين الكتاب المقدس والإنجيل، لا بد أولًا من تعريف كل منهما. "الكتاب المقدس" هو المصطلح الشامل الذي يُطلق على النصوص المقدسة لدى المسيحيين، ويتكوّن من قسمين رئيسيين: العهد القديم والعهد الجديد. أما "الإنجيل" فهو جزء من العهد الجديد، ويتضمن البشارة بمجيء المسيح، وأعماله، وتعاليمه، وموته وقيامته.
العهد القديم يحتوي على كتب الأنبياء، والمزامير، والأسفار التاريخية، والنبوءات التي تسبق مجيء المسيح، وهو مشترك جزئيًا مع التوراة اليهودية. أما العهد الجديد، فيبدأ بكتب الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا)، والتي تُعدّ قلب الإيمان المسيحي، وتليها أعمال الرسل، ورسائل بولس والرسل الآخرين، وسفر الرؤيا.
إذن، الإنجيل هو جزء من الكتاب المقدس، لكنه ليس الكتاب المقدس كاملًا. ويمكن القول إن كل إنجيل هو كتاب مقدس، لكن ليس كل كتاب مقدس هو إنجيل. هذه النقطة تمثل الفارق الجوهري الذي يغيب عن أذهان الكثيرين.
من الناحية اللغوية، تأتي كلمة "إنجيل" من الكلمة اليونانية "إيفانجيليون" (Εὐαγγέλιον) والتي تعني "البشارة السارة" أو "الخبر السعيد". هذا الخبر هو مجيء يسوع المسيح كمخلّص للعالم. أما "الكتاب المقدس"، فهو يشمل كل ما كُتب بوحي من الله، ويتضمن التاريخ، والشريعة، والأدب الحكمي، والنبوءات، والتعليم، والنصوص اللاهوتية التي ترسم الإطار الكامل للفهم المسيحي للعالم.
وبالتالي، فإن العلاقة بين الكتاب المقدس والإنجيل تشبه العلاقة بين الشجرة وثمرتها: الإنجيل هو ثمرة الشجرة التي هي الكتاب المقدس، وهو الذروة التي تكشف عن محبة الله للبشر.
ما هو تعريف الكتاب المقدس في المسيحية؟
الكتاب المقدس في المسيحية هو المرجع الأعلى والمصدر الرئيسي لفهم مشيئة الله، وتعاليم الإيمان، والأخلاق المسيحية. يتكوّن من 66 سفرًا في النسخة البروتستانتية، وأكثر من ذلك في النسخ الكاثوليكية والأرثوذكسية بسبب وجود ما يُعرف بالأسفار القانونية الثانية.
العهد القديم يضم أسفارًا مثل التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، التثنية، صموئيل، الملوك، إشعياء، إرميا، المزامير، الأمثال، وغيرها. وهي توثّق تاريخ العلاقة بين الله وشعب إسرائيل، ونبوءات عن المسيح المنتظر.
أما العهد الجديد، فيبدأ بالأناجيل الأربعة، التي تسجّل حياة يسوع المسيح على الأرض، وأعماله، ومعجزاته، وتعاليمه، وصلبه وقيامته. يليه سفر أعمال الرسل الذي يروي انتشار الرسالة المسيحية بعد صعود المسيح، ثم رسائل بولس وبطرس ويوحنا ويعقوب، والتي تتناول القضايا اللاهوتية والروحية والأخلاقية، وتنتهي بسفر الرؤيا الذي يتحدث عن النهايات الأخروية ومجيء المسيح الثاني.
الكتاب المقدس ليس مجرد كتاب ديني، بل هو كتاب حيّ، يعتبره المسيحيون موحى به من الروح القدس، وكلمة الله المكتوبة. إنه مرآة تكشف النفس، ومصدر إلهام، ودليل للحياة الروحية. يُستخدم في الصلاة، والتعليم، والتأمل، ويُتلى في الكنائس يوميًا.
وقد تمت ترجمة الكتاب المقدس إلى آلاف اللغات، وهو من أكثر الكتب انتشارًا في العالم، وله أثر حضاري وإنساني وروحي لا يمكن تجاهله. وكلما ازداد الإنسان دراسة لهذا الكتاب، ازدادت معرفته بالله وبذاته وبالعالم من حوله.
ما معنى كلمة الإنجيل وما محتواه؟
كلمة "الإنجيل" تعني حرفيًا "البشارة السارة". إنها الرسالة التي حملها يسوع المسيح إلى العالم، وهي خبر مفرح يتمثل في محبة الله للبشر، وغفرانه، ودعوته للجميع إلى حياة جديدة أبدية. هذه البشارة تم تسجيلها في الأناجيل الأربعة التي كتبها تلاميذ المسيح أو من عاصروه: متى، مرقس، لوقا، ويوحنا.
كل إنجيل من الأناجيل الأربعة يقدّم صورة فريدة عن حياة يسوع. فمثلًا، إنجيل متى يركّز على تحقيق النبوءات اليهودية في شخص المسيح. إنجيل مرقس يعرض يسوع كخادم متألم. إنجيل لوقا يُظهر الجانب الإنساني والرحيم في يسوع، بينما يبرز يوحنا لاهوت المسيح وعمق شخصيته الإلهية.
الإنجيل لا يقتصر على سرد تاريخي، بل يحمل رسالة روحية عميقة. يتضمن تعاليم المسيح عن المحبة، والمغفرة، والرحمة، والعدل، والسلام، والدعوة للتوبة والإيمان. كما يسجّل معجزات يسوع التي تُظهر سلطانه الإلهي، وأمثاله التي تكشف أسرار ملكوت الله.
الذروة في كل إنجيل هي موت يسوع على الصليب وقيامته من بين الأموات. هذا الحدث هو جوهر الإيمان المسيحي، إذ يُنظر إليه كذبيحة فداء من أجل خطايا البشرية. ومن خلاله، صار للبشرية طريق جديد إلى الله.
الإنجيل أيضًا يدعو القارئ إلى التفاعل، فليس هو مجرد معلومات، بل دعوة شخصية للإيمان والاتباع. إنه صوت الله الذي يخاطب القلب، ويكشف عن طريق الخلاص.
هل توجد علاقة بين الإنجيل والعهد الجديد؟
نعم، العلاقة بين الإنجيل والعهد الجديد هي علاقة جوهرية وعضوية. فالإنجيل هو المحور الذي يدور حوله العهد الجديد بأكمله. يمكن القول إن العهد الجديد هو شرح وتوسيع وتأكيد للإنجيل.
العهد الجديد يبدأ بالأناجيل الأربعة، التي تسجل حياة المسيح. يليه سفر أعمال الرسل الذي يُظهر كيف استمرت بشارة الإنجيل في الانتشار بعد قيامة المسيح. ثم تأتي الرسائل التي كتبها الرسل، والتي تفسّر أبعاد الإنجيل في حياة الكنيسة والمجتمع. وأخيرًا، سفر الرؤيا الذي يعلن عن اكتمال وعود الإنجيل في النهاية الأبدية.
كل نص في العهد الجديد يعكس بطرق متعددة رسالة الإنجيل. فالرسائل تشرح معنى الخلاص بالإيمان، وأهمية النعمة، وتطبيق تعاليم المسيح في الحياة اليومية. وهي تساعد المؤمنين على فهم الإنجيل بطريقة أعمق وأشمل.
كما أن الإنجيل ذاته يشكّل الأساس لكل العقيدة المسيحية. فعقيدة التثليث، والفداء، والتجسد، والقيامة، وكل مفاهيم الحياة الأبدية، تستند إلى ما أعلنه المسيح في الإنجيل. ولهذا السبب، فإن دراسة الإنجيل هي المدخل الطبيعي لفهم العهد الجديد كله.
في الليتورجيا المسيحية، يُقرأ الإنجيل دومًا في قدّاسات الكنائس لأنه هو "كلمة الحياة"، كما يُعتبر بمثابة إعلان الله النهائي عن ذاته. ومن هنا، فإن العلاقة بين الإنجيل والعهد الجديد ليست فقط علاقة كتابية، بل علاقة روحية وشخصية أيضًا.
هل استخدم المسيحيون الأوائل كلمة الإنجيل أم الكتاب المقدس؟
المسيحيون الأوائل استخدموا كلمة "الإنجيل" أكثر من استخدامهم لمصطلح "الكتاب المقدس"، خصوصًا في القرون الأولى للمسيحية. السبب في ذلك يعود إلى أن الإنجيل كان هو الرسالة الحيّة التي كانوا يبشّرون بها في العالم.
عندما كان الرسل والتلاميذ يجولون في المدن والقرى، كانوا يعلنون "الإنجيل"، أي بشارة يسوع المسيح. حتى قبل أن تُكتب الأناجيل الأربعة بشكل رسمي، كانت كلمة "إنجيل" تعني المحتوى الشفهي للبشارة: أن يسوع قد جاء، وصُلب، وقام، وأنه يقدّم الخلاص.
مع مرور الوقت، وتحديدًا بعد تدوين الأسفار، بدأت الكنيسة تجمع هذه النصوص في مجلّد واحد، يُعرف بالكتاب المقدس. لكن حتى بعد ذلك، بقيت كلمة "الإنجيل" ذات أهمية خاصة لأنها تُعبّر عن قلب الرسالة المسيحية.
كما أن كثيرًا من آباء الكنيسة واللاهوتيين استخدموا مصطلح "الإنجيل" في كتاباتهم، مشيرين به إلى كل ما يخص عمل المسيح وتعاليمه. والليتورجيا المسيحية، حتى اليوم، ما تزال تعطي مكانة خاصة لقراءة الإنجيل خلال العبادة.
من الناحية العملية، أصبح استخدام مصطلح "الكتاب المقدس" أكثر شيوعًا مع مرور الزمن، وخاصة بعد أن تم طباعة الكتاب المقدس وتداوله على نطاق واسع. لكن يبقى الإنجيل هو قلب هذا الكتاب، والرسالة التي تغيّر الحياة.
الخاتمة
في ضوء ما سبق، يتّضح أن الكتاب المقدس والإنجيل ليسا مترادفين، بل بينهما علاقة تكاملية. الإنجيل هو جزء من الكتاب المقدس، ويمثل جوهر رسالته ومحوره المركزي. أما الكتاب المقدس فهو الإطار الكامل الذي يحتوي على كل كلمة أوحى بها الله عبر التاريخ، ويُظهر تدبيره لخلاص الإنسان.
فهم هذا الفرق يساعد القارئ على التقدير العميق لهذين المصطلحين، وعلى تمييز مكانة كل منهما في الإيمان المسيحي. كما يعزز احترام النصوص الدينية وتقديرها، سواء في البحث الأكاديمي أو في الحياة الروحية اليومية.
وختامًا، فإن الإنجيل هو البشارة، والكتاب المقدس هو رسالة الله الكاملة. وكلاهما يدعونا إلى لقاء شخص المسيح، واختبار الحياة الجديدة فيه.
فهم هذا الفرق يساعد القارئ على التقدير العميق لهذين المصطلحين، وعلى تمييز مكانة كل منهما في الإيمان المسيحي. كما يعزز احترام النصوص الدينية وتقديرها، سواء في البحث الأكاديمي أو في الحياة الروحية اليومية.
وختامًا، فإن الإنجيل هو البشارة، والكتاب المقدس هو رسالة الله الكاملة. وكلاهما يدعونا إلى لقاء شخص المسيح، واختبار الحياة الجديدة فيه.