تفسير إنجيل متى الإصحاح الحادي عشر الفصل 11

تفسير إنجيل متى الإصحاح 11 الفصل الحادي عشر
 تفسير إنجيل متى الإصحاح الحادي عشر الفصل 11


يُعد إنجيل متى من أهم الأناجيل الأربعة في العهد الجديد، وقد كتب لليهود بشكل خاص لإثبات أن يسوع هو المسيح المنتظر. يحتوي الإصحاح الحادي عشر من إنجيل متى على مجموعة من التعاليم والأحداث المهمة التي تكشف عن طبيعة المسيح الإلهية والإنسانية، وعن تفاعله مع الناس، كما يُظهر المواقف المختلفة من القبول والرفض التي واجهها. في هذه المقالة، سنقوم بتفسير دقيق وموسع لهذا الإصحاح، مع التركيز على الرسائل الروحية واللاهوتية التي يحملها، وسنربط بين الآيات وسياقها الكتابي والتاريخي.





شاهد أيضا:

دليل شامل لفهم إنجيل متى في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل لوقا في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل يوحنا في العهد الجديد




تفسير إنجيل متى الإصحاح الحادي عشر الفصل 11


1. وَلَمَّا أَكْمَلَ يَسُوعُ أَمْرَهُ لِتِلَامِيذِهِ ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ، ٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ لِيُعَلِّمَ وَيَكْرِزَ فِي مُدُنِهِمْ. (متى 11:1)

2. أَمَّا يُوحَنَّا فَلَمَّا سَمِعَ فِي ٱلسِّجْنِ بِأَعْمَالِ ٱلْمَسِيحِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ، (متى 11:2)

3. وَقَالَ لَهُ: «أَنْتَ هُوَ ٱلْآتِي، أَمْ نَنْتَظِرُ آخَرَ؟» (متى 11:3)

4. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمَا: «ٱذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا تَسْمَعَانِ وَتَنْظُرَانِ: (متى 11:4)

5. ٱلْعُمْيُ يُبْصِرُونَ، وَٱلْعُرْجُ يَمْشُونَ، وَٱلْبُرْصُ يُطَهَّرُونَ، وَٱلصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وَٱلْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَٱلْمَسَاكِينُ يُبَشَّرُونَ. (متى 11:5)

6. وَطُوبَى لِمَنْ لَا يَعْثُرُ فِيَّ». (متى 11:6)

7. وَبَيْنَمَا ذَهَبَ هَذَانِ، ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَن يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تَحْرُكُهَا ٱلرِّيحُ؟ (متى 11:7)

8. بَلْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لَابِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا ٱلَّذِينَ يَلْبَسُونَ ٱلثِّيَابَ ٱلنَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ ٱلْمُلُوكِ. (متى 11:8)

9. لَكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ: وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ! (متى 11:9)

10. فَإِنَّ هذَا هُوَ ٱلَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: "هَئَنَذَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلَاكِي، ٱلَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ." (متى 11:10)

11. ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ ٱلْمَوْلُودِينَ مِنَ ٱلنِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ، وَلَكِنَّ ٱلصَّغِيرَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ. (متى 11:11)

12. وَمِنْ أَيَّامِ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ إِلَى ٱلْآنَ، مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ يُغْصَبُ، وَٱلْغَاصِبُونَ يَخْطَفُونَهُ. (متى 11:12)

13. لِأَنَّ جَمِيعَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَٱلنَّامُوسِ إِلَى يُوحَنَّا تَنَبَّؤُوا. (متى 11:13)

14. وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا ٱلْمُزْمَعُ أَنْ يَأْتِيَ. (متى 11:14)

15. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ! (متى 11:15)

16. وَبِمَنْ أُشَبِّهُ هذَا ٱلْجِيلَ؟ يُشْبِهُ أَوْلَادًا جَالِسِينَ فِي ٱلْأَسْوَاقِ يُنَادُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ (متى 11:16)

17. وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَنْدُبُوا! (متى 11:17)

18. لِأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: بِهِ شَيْطَانٌ! (متى 11:18)

19. جَاءَ ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشَرِيبُ خَمْرٍ، مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ! وَٱلْحِكْمَةُ تَبَرَّرَتْ مِنْ بَنِيهَا». (متى 11:19)

20. حِينَئِذٍ ٱبْتَدَأَ يُوَبِّخُ ٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي صُنِعَتْ فِيهَا أَكْثَرُ قُوَّاتِهِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا، (متى 11:20)

21. «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لِأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلَّتِي صُنِعَتْ فِيكُمَا، لَتَابُوا قَدِيمًا فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ. (متى 11:21)

22. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ لِصُورَ وَصَيْدَاءَ فِي يَوْمِ ٱلدِّينِ حَالٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا مِمَّا لَكُمْ. (متى 11:22)

23. وَأَنْتِ يَا كَفْرَ نَاحُومَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، سَتُهْبَطِينَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ! لِأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ ٱلْقُوَّاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكِ، لَبَقِيَتْ إِلَى ٱلْيَوْمِ. (متى 11:23)

24. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَكُونُ لِأَرْضِ سَدُومَ فِي يَوْمِ ٱلدِّينِ حَالٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالًا مِمَّا لَكِ». (متى 11:24)

25. فِي ذلِكَ ٱلْوَقْتِ قَالَ يَسُوعُ: «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلْآبُ، رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ ٱلْأُمُورَ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ، وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ. (متى 11:25)

26. نَعَمْ أَيُّهَا ٱلْآبُ، لِأَنَّهُ هكَذَا صَارَ ٱسْتِحْسَانٌ أَمَامَكَ. (متى 11:26)

27. كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلِٱبْنَ إِلَّا ٱلْآبُ، وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلْآبَ إِلَّا ٱلِٱبْنُ، وَمَنْ أَرَادَ ٱلِٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. (متى 11:27)

28. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثِّقَالِ ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. (متى 11:28)

29. ٱحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ، وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لِأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. (متى 11:29)

30. لِأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ». (متى 11:30)







من هو يوحنا المعمدان؟ ولماذا أرسل يسوع تلاميذه إليه؟


في بداية الإصحاح الحادي عشر، نقرأ عن يوحنا المعمدان وهو في السجن، يرسل تلميذين إلى يسوع ليسألاه: "أأنت الآتي، أم ننتظر آخر؟" (متى 11:3). هذا السؤال يبدو غريبًا، خاصة أن يوحنا هو من عمد يسوع وشهد له، لكن يبدو أن السجن والتجربة جعلاه يتساءل.

أجاب يسوع بأن أعماله تشهد له: شفاء المرضى، إقامة الموتى، تبشير الفقراء. أي أنه يطبق نبوات إشعياء عن المسيح المنتظر. ثم قال لتلاميذ يوحنا: "طوبى لمن لا يعثر فيّ"، في دعوة ليوحنا كي يثبت في الإيمان.






مكانة يوحنا المعمدان في خطة الله


بعد ذهاب تلاميذ يوحنا، بدأ يسوع يتحدث إلى الجموع عن يوحنا. لم يمدحه فقط كشخص تقي، بل قال: "الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (متى 11:11). هذا التصريح يؤكد مكانة يوحنا كخاتمة لمرحلة النبوة في العهد القديم.

يوحنا كان "إيليا" المنتظر الذي أشار إليه ملاخي النبي، إذ سبق مجيء المسيح ومهّد الطريق له، لكنه في نفس الوقت لا يزال ضمن نظام العهد القديم، في حين أن أصغر المؤمنين في ملكوت السماوات أعظم منه لأنه يعيش في نعمة العهد الجديد.







رفض هذا الجيل لدعوة التوبة


ثم وجّه يسوع توبيخًا صريحًا لهذا الجيل، فقال إنهم أشبه بأطفال يجلسون في الأسواق يشتكون من عدم تجاوب الآخرين. يوحنا جاء بنسكه فاتهموه بأنه به شيطان، ويسوع جاء يأكل ويشرب فقالوا عنه: "هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11:19).

هذا يكشف عن قساوة قلوب الناس في ذلك الزمن، إذ رفضوا الرسالة مهما كانت طريقة تقديمها، سواء بالتقشف كما فعل يوحنا أو بالمحبة والانفتاح كما فعل يسوع. ولذلك قال: "الحكمة تبررت من بنيها"، أي أن نتائج الرسالة هي التي تثبت حقيقتها.







ويل للمدن التي رفضت أعمال المسيح


في الآيات من 20 إلى 24، يوجه يسوع ثلاث ويلات قوية إلى مدن كفرناحوم، بيت صيدا، وكورزين، لأنها لم تتب رغم كل المعجزات التي صنعها فيها. وقال إنه لو صُنعت تلك المعجزات في صور وصيدون لكانتا تابتا منذ زمن.

كلام المسيح هنا يُظهر عدل الله، لكنه في ذات الوقت يُبرز مسؤولية الذين ينالون إعلانًا أوضح ويختارون الرفض. فكفرناحوم التي رُفعت إلى السماء بمعجزات المسيح ستُطرح إلى الهاوية.







كشف الآب من خلال الابن


في الفقرة من 25 إلى 27، نجد صلاة شكر من يسوع للآب، لأنه أخفى هذه الأمور عن الحكماء وأعلنها للأطفال. المعنى هنا أن الله لا يُعلن حقيقته للمتكبرين أو المتكلين على حكمتهم الذاتية، بل للمتواضعين والمنفتحين على عمل الروح.

ثم يأتي تصريح مذهل في الآية 27: "كل شيء قد دفع إليّ من أبي، وليس أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له". هذه الآية من أهم التصريحات اللاهوتية في الإنجيل، لأنها تظهر العلاقة الفريدة بين الآب والابن، وتعلن أن معرفة الله تأتي من خلال يسوع.










دعوة يسوع للتوبة والراحة النفسية


تُختتم هذه الأصحاح بكلمات من أحنّ ما نطق به المسيح: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم... تجدون راحة لنفوسكم" (متى 11:28-30). هذه الآية تُعد من أعظم الدعوات للرجوع إلى الله.

يسوع لا يدعو فقط إلى الإيمان، بل إلى راحة حقيقية من الأعباء النفسية والروحية. نيره هين، أي طريقته في القيادة والتعليم ليست ثقيلة بل مملوءة بالنعمة والمحبة. إنها دعوة مفتوحة لكل من يشعر بثقل الحياة، ليجد في المسيح الراحة والشفاء.





الدروس الروحية والعملية من متى 11


  1. الإيمان رغم الشك: يوحنا، رغم إيمانه السابق، شك أثناء المحنة. وهذا يعكس واقعية الإيمان المسيحي الذي لا ينفي وجود لحظات الضعف، لكنه يدعو للثبات والثقة.
  2. رفض الحق ليس مسألة عقل بل قلب: المدن التي شاهدت المعجزات ورفضت التوبة تُظهر أن الإيمان لا يتعلق فقط بالأدلة بل أيضًا بقبول قلبي.
  3. عظمة التواضع: الله يُعلن ذاته للمتواضعين، وليس للحكماء في أعين أنفسهم. هذه دعوة للبساطة في الإيمان.
  4. يسوع هو الطريق إلى معرفة الله: لا يمكننا أن نعرف الآب إلا من خلال الابن، وهذه حقيقة مركزية في العقيدة المسيحية.
  5. دعوة الراحة: المسيح يدعو كل متعب ليجد عنده سلامًا داخليًا لا يُمنح من العالم.





في الختام، إن تفسير الإصحاح الحادي عشر من إنجيل متى يكشف لنا عن عمق لاهوتي وروحي عظيم. نرى يسوع لا كمجرد معلم أو نبي، بل كابن الله الذي له سلطان أن يكشف الآب، ويدعو البشرية إلى راحة وسلام لا يُمكن أن يُحصلا إلا من خلاله. كما يكشف هذا الإصحاح عن مسؤولية الإنسان في قبوله أو رفضه للمسيح، ويحثنا على التوبة والتواضع لننال الإعلان الإلهي. إنها دعوة مفتوحة لكل نفس عطشى إلى الحقيقة والراحة، للرجوع إلى من قال: "تعالوا إليّ... وأنا أريحكم".

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url