تفسير إنجيل متى الإصحاح الخامس الفصل 5

تفسير إنجيل متى الإصحاح 5 الفصل الخامس
تفسير إنجيل متى الإصحاح الخامس الفصل 5


يُعد الإصحاح الخامس من إنجيل متى من أكثر النصوص تأثيرًا في العهد الجديد، إذ يتضمن بداية العظة على الجبل، التي تُعتبر جوهر تعليم الرب يسوع المسيح. تحمل هذه العظة تعاليم سامية وقيمًا روحية وأخلاقية ترتكز عليها المسيحية حتى اليوم. في هذا المقال، سنتناول تفسير إنجيل متى الإصحاح الخامس بطريقة تفصيلية، مع التركيز على الرسائل اللاهوتية، والأبعاد الأخلاقية، والدروس الروحية التي يحتويها.




شاهد أيضا:

دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل لوقا في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل يوحنا في العهد الجديد







تفسير إنجيل متى الإصحاح الخامس الفصل 5



1. وَلَمَّا رَأَى ٱلْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلَامِيذُهُ. (متى 5:1)

التفسير: بدأ يسوع تعليمه العلني من على الجبل، وهو مكان يرمز إلى السمو والقداسة، حيث جلس كالمعلم ليقدم تعاليمه لتلاميذه والجموع.


2. فَفَتَحَ فَاهُ وَعَلَّمَهُمْ قَائِلًا: (متى 5:2)


التفسير: يشير هذا إلى بداية العظة على الجبل، حيث بدأ يسوع بتعليم تلاميذه والجموع بكلمات تحمل بركات وتعاليم روحية عميقة.


3. طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِٱلرُّوحِ، لِأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. (متى 5:3)


التفسير: المساكين بالروح هم الذين يدركون فقرهم الروحي وحاجتهم إلى الله، وهؤلاء يُمنحون الدخول إلى ملكوت السماوات.


4. طُوبَى لِلْحَزَانَى، لِأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. (متى 5:4)


التفسير: الحزانى هنا هم الذين يحزنون على خطاياهم وعلى حال العالم، ويجدون تعزيتهم في الله.


5. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ ٱلْأَرْضَ. (متى 5:5)


التفسير: الودعاء هم المتواضعون والذين لا يسعون للانتقام، وهؤلاء ينالون بركات الله ويملكون الأرض بالسلام.


6. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لِأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ. (متى 5:6)


التفسير: الذين يشتاقون إلى البر والعدل سيُشبعون من الله، الذي يملأ قلوبهم بالحق والرضا.


7. طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لِأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ. (متى 5:7)


التفسير: الرحماء الذين يظهرون الرحمة للآخرين، سيحظون برحمة الله في حياتهم.


8. طُوبَى لِلْأَنْقِيَاءِ ٱلْقَلْبِ، لِأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ ٱللهَ. (متى 5:8)


التفسير: الأنقياء في قلوبهم، الذين يسعون للنقاء الداخلي، سيتمكنون من رؤية الله والتواصل معه.


9. طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلَامِ، لِأَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ ٱللهِ. (متى 5:9)


التفسير: الذين يسعون للسلام ويعملون على تحقيقه يُعتبرون أبناء الله، لأنهم يعكسون طبيعته المسالمة.


10. طُوبَى لِلْمُطْرَدِينَ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِرِّ، لِأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. (متى 5:10)


التفسير: الذين يُضطهدون بسبب سعيهم للبر والحق، يُمنحون ملكوت السماوات كتعويض عن معاناتهم.


11. طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ، وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةِ شَرٍّ مِنْ أَجْلِي كَاذِبِينَ. (متى 5:11)


التفسير: عندما يُساء إلى المؤمنين بسبب إيمانهم بالمسيح، يُعتبرون مباركين، لأنهم يشاركون في معاناة المسيح.


12. اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لِأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هَكَذَا طَرَدُوا ٱلْأَنْبِيَاءَ ٱلَّذِينَ قَبْلَكُمْ. (متى 5:12)


التفسير: يشجع يسوع المؤمنين على الفرح رغم الاضطهاد، لأن أجرهم في السماء عظيم، وهم يسيرون في طريق الأنبياء السابقين.


13. أَنْتُمْ مِلْحُ ٱلْأَرْضِ، وَلَكِنْ إِنْ فَسَدَ ٱلْمِلْحُ، فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لَا يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلَّا لِأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ ٱلنَّاسِ. (متى 5:13)

التفسير: يشبه يسوع المؤمنين بالملح الذي يحفظ الطعام ويمنع فساده، مشيرًا إلى دورهم في الحفاظ على نقاء العالم. إذا فقدوا تأثيرهم، يصبحون غير نافعین.


14. أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ. لَا يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ. (متى 5:14)

التفسير: يدعو يسوع المؤمنين ليكونوا نورًا يضيء للآخرين، تمامًا كما لا يمكن إخفاء مدينة على جبل، يجب أن يكون إيمانهم ظاهرًا للجميع.



15. وَلَا يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ، فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. (متى 5:15)

التفسير: يشجع يسوع المؤمنين على عدم إخفاء إيمانهم، بل إظهاره للآخرين، كما يوضع السراج على المنارة ليضيء للجميع.



16. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. (متى 5:16)

التفسير: يدعو يسوع المؤمنين لعيش حياة صالحة تعكس إيمانهم، حتى يرى الناس أعمالهم ويمجدوا الله.



17. لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ ٱلْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ. (متى 5:17)

التفسير: يؤكد يسوع أنه لم يأتِ لإلغاء الشريعة بل لإتمامها وتحقيق مقاصدها الروحية.



18. فَإِنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ ٱلسَّمَاءُ وَٱلْأَرْضُ، لَا يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ، حَتَّى يَكُونَ ٱلْكُلُّ. (متى 5:18)

التفسير: يشدد يسوع على ديمومة الشريعة وأهميتها حتى تحقيق كل ما فيها من نبوات وتعاليم.



19. فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هَذِهِ ٱلْوَصَايَا ٱلصُّغْرَى وَعَلَّمَ ٱلنَّاسَ هَكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهَذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ. (متى 5:19)

التفسير: يحث يسوع على الالتزام بالوصايا وتعليمها، مؤكدًا أن من يحترمها ويعلمها يُعتبر عظيمًا في ملكوت الله.



20. فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى ٱلْكُتَّبَةِ وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ، لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. (متى 5:20)

التفسير: يدعو يسوع إلى بر داخلي يفوق البر الظاهري للكتبة والفريسيين، مشددًا على أهمية النية الصافية.



21. قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. (متى 5:21)

التفسير: يشير يسوع إلى الوصية القديمة بعدم القتل، تمهيدًا لتوسيع مفهومها ليشمل النوايا والمشاعر.



22. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلًا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. وَمَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ. وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ. (متى 5:22)

التفسير: يوسع يسوع مفهوم القتل ليشمل الغضب والإهانة، مؤكدًا أن النية السيئة تُعتبر خطية.



23. فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى ٱلْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لِأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، (متى 5:23)

التفسير: يشدد يسوع على أهمية المصالحة مع الآخرين قبل التقدم للعبادة.



24. فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ ٱلْمَذْبَحِ، وَٱذْهَبْ أَوَّلًا ٱصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ. (متى 5:24)

التفسير: يدعو يسوع إلى السعي للمصالحة قبل تقديم القرابين، مما يعكس أهمية العلاقات السليمة.



25. كُنْ مُرَاضِيًا لِخَصْمِكَ سَرِيعًا مَا دُمْتَ مَعَهُ فِي ٱلطَّرِيقِ، لِئَلَّا يُسَلِّمَكَ ٱلْخَصْمُ إِلَى ٱلْقَاضِي، وَيُسَلِّمَكَ ٱلْقَاضِي إِلَى ٱلْخَادِمِ، فَتُلْقَى فِي ٱلسِّجْنِ. (متى 5:25)

التفسير: يحذر يسوع من تأجيل المصالحة، مشيرًا إلى العواقب القانونية والروحية.



26. ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَا تَخْرُجُ مِنْ هُنَاكَ حَتَّى تُوفِيَ ٱلْفَلْسَ ٱلْأَخِيرَ. (متى 5:26)

التفسير: يؤكد يسوع على ضرورة تسوية الأمور مع الآخرين لتجنب العقوبات.



27. قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَزْنِ. (متى 5:27)

التفسير: الوصية واضحة بمنع الزنى، ولكن يسوع سيكشف عمق هذه الوصية وأساسها القلبي.



28. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. (متى 5:28)

التفسير: يسوع يُظهر أن الزنى لا يبدأ بالفعل بل بالنظر والشهوة القلبية، ويطالب بطهارة داخلية.



29. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ، فَٱقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ، وَلَا يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. (متى 5:29)

التفسير: كلام رمزي يُعبّر عن ضرورة التخلّي عن كل ما يقود إلى الخطيئة، حتى لو كان عزيزًا.




30. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ ٱلْيُمْنَى تُعْثِرُكَ، فَٱقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لِأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ، وَلَا يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. (متى 5:30)

التفسير: تأكيد على الجدية في محاربة الخطيئة حتى بالتضحيات الشخصية الكبيرة.




31. وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ، فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلَاقٍ. (متى 5:31)

التفسير: يشير يسوع إلى ممارسة الطلاق في الشريعة، تمهيدًا لتقديم مقاربته الأعمق.



32. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ إِلَّا لِعِلَّةِ ٱلزِّنَا، يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجْ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي. (متى 5:32)

التفسير: الطلاق عند يسوع مسموح فقط لعلة الزنى، لأنه خلاف ذلك يؤدي للوقوع في الزنى بسبب إعادة الزواج.




33. أَيْضًا سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. (متى 5:33)

التفسير: يشير إلى أهمية الوفاء بالنذور والعهود أمام الله.



34. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ، لَا بِٱلسَّمَاءِ، لِأَنَّهَا كُرْسِيُّ ٱللهِ، (متى 5:34)

التفسير: يدعو يسوع إلى الصدق المطلق دون حاجة إلى الحلف، لأن الله حاضر في كل شيء.



35. وَلَا بِٱلْأَرْضِ، لِأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلَا بِأُورُشَلِيمَ، لِأَنَّهَا مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. (متى 5:35)

التفسير: كل شيء مرتبط بالله، لذلك لا يجوز الحلف بشيء مخلوق.




36. وَلَا تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لِأَنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. (متى 5:36)

التفسير: لا تملك حتى نفسك، فكيف تحلف بها؟ الصدق يغني عن الحلف.



37. بَلْ لِيَكُنْ كَلَامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لَا لَا. وَمَا زَادَ عَلَى ذَٰلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. (متى 5:37)

التفسير: التكلم بالحق والوضوح دون مبالغة أو تزييف، فالكذب والانحراف من إبليس.



38. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. (متى 5:38)

التفسير: هذه كانت قاعدة العدالة في الشريعة، ولكن يسوع سيقدم مبدأ المحبة بدل الانتقام.




39. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ. بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلْأَيْمَنِ، فَحَوِّلْ لَهُ ٱلْآخَرَ أَيْضًا. (متى 5:39)

التفسير: يدعو يسوع إلى عدم رد الإساءة بالإساءة بل بالصبر واللطف، تعبيرًا عن المحبة الحقيقية.



40. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُقَاضِيَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ، فَاتْرُكْ لَهُ ٱلرِّدَاءَ أَيْضًا. (متى 5:40)

التفسير: روح العطاء والتنازل أفضل من التشبّث بالحقوق المادية.




41. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا، فَٱذْهَبْ مَعَهُ ٱثْنَيْنِ. (متى 5:41)

التفسير: يسوع يعلّم الاستعداد لتقديم أكثر من المطلوب، بروح المحبة والتضحية.




42. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلَا تَرُدَّهُ. (متى 5:42)

التفسير: يدعو إلى السخاء والرحمة، وعدم التمسّك بالمال.




43. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. (متى 5:43)

التفسير: محبة القريب كانت وصية، لكن الناس أضافوا إليها بغض العدو، ويسوع سيصحح هذا الفهم.




44. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. (متى 5:44)

التفسير: يسوع يرفع معيار المحبة لتشمل حتى الأعداء، عاكسًا محبة الله الشاملة.



45. لِتَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ. (متى 5:45)

التفسير: محبة الله شاملة، ويجب على أولاده أن يقتدوا به بمحبة الجميع.




46. لِأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذَٰلِكَ؟ (متى 5:46)

التفسير: محبة من يحبّك أمر طبيعي، لكن المحبة الحقيقية تَظهر في حبّ غير المُحبّين.




47. وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيُّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ (متى 5:47)

التفسير: يدعو يسوع إلى تجاوز حدود العلاقات الطبيعية إلى محبة غير المتوقعين.




48. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ، كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. (متى 5:48)

التفسير: الهدف الأعلى هو الكمال الإلهي في المحبة والطهارة والرحمة، وهو دعوة للنمو الروحي المستمر.




التطويبات: مبادئ ملكوت السماوات


تبدأ العظة على الجبل بمجموعة من التطويبات التي تعبر عن بركات روحية تُمنح لمن يتمثل بصفات معينة، مثل التواضع، والحزن على الخطية، والوداعة، والجوع إلى البر، والرحمة، ونقاوة القلب، وصنع السلام، والثبات وسط الاضطهاد. تُظهر هذه الصفات شكل الإنسان الذي يعيش بحسب روح الله ويعكس ملامح ملكوت السماوات في حياته اليومية.



هوية المؤمن: أنتم ملح الأرض ونور العالم


ينتقل المسيح ليؤكد دور المؤمنين في العالم. يُشبههم بالملح الذي يمنع الفساد ويحفظ، وبالنور الذي يُظهر الطريق ويهدي. هذه الأوصاف ليست رمزية فحسب، بل تُظهر مسؤولية المؤمن في التأثير الإيجابي في محيطه، والعيش بشفافية تُظهر مجد الله في أعماله وكلامه.



المسيح والناموس: الإكمال لا الإلغاء


يؤكد المسيح أنه لم يأتِ لينقض الشريعة أو الناموس، بل ليُكمّله. فالتكميل هنا لا يعني الإضافة أو التعديل بل الوصول إلى الغاية الروحية العميقة التي كانت الشريعة تشير إليها. يدعو المسيح إلى فهم أعمق للوصايا، ليس مجرد تطبيق خارجي، بل تغيير داخلي يمسّ القلب والنية.



الغضب والقتل: القلب قبل الفعل


يتناول المسيح وصية "لا تقتل"، ويوسّع معناها لتشمل المشاعر العدوانية والنوايا السيئة. بحسب تعليمه، الغضب والاحتقار يحملان روح القتل، إذ ينشأ الفعل من الداخل أولاً. يدعو المسيح إلى المصالحة قبل العبادة، مبينًا أن النقاء القلبي شرط أساسي للعلاقة مع الله.



الطهارة والنظرة: دعوة للنقاء الداخلي


يرفع المسيح مفهوم الطهارة إلى مستوى جديد، حيث لا تقتصر الخطية على الزنا الجسدي بل تمتد إلى الأفكار والنوايا. النظرة المملوءة شهوة تُعتبر بمثابة زنى قلبي. هذا المعيار العالي يدعو المؤمن إلى الانضباط الذهني والسعي للنقاوة الحقيقية.



الزواج والطلاق: قداسة العهد الزوجي


يعالج المسيح موضوع الطلاق، مؤكدًا أن الزواج هو اتحاد مقدس لا يجب حله بسهولة. يجعل الاستثناء الوحيد هو الخيانة الزوجية، مما يبرز أهمية الأمانة في العلاقات الأسرية. المسيحية ترى في الزواج عهدًا أبديًا يعكس علاقة المسيح بالكنيسة.



الصدق والأمانة: لا حاجة للقَسم


يركز المسيح على ضرورة الصدق الكامل، داعيًا إلى أن يكون كلام الإنسان واضحًا وصادقًا دون الحاجة إلى الحلفان. يُظهر هذا التعليم أن الشخص المؤمن يجب أن يكون موضع ثقة، لأن نطقه بكلمة "نعم" أو "لا" يجب أن يكون كافيًا.



رفض الانتقام: المحبة بدلًا من العدوان


يرفض المسيح مبدأ العين بالعين، ويدعو بدلاً من ذلك إلى التسامح والمسامحة. يُعلّم المؤمنين أن يردوا على الشر بالخير، وأن يكونوا مبادرين بالمحبة بدلًا من العدوان، حتى مع من يسيء إليهم. هذه الدعوة تتطلب قوة روحية وثقة بعدالة الله.




المحبة الكاملة: أحبوا أعداءكم


في قمة تعاليمه الأخلاقية، يدعو المسيح إلى محبة الأعداء، وإحسان إلى المبغضين، والصلاة من أجل المضطهدين. هذه المحبة غير المشروطة تعكس صورة الله الذي يُشرق شمسه على الأشرار والصالحين. بهذا النوع من المحبة يتميز أبناء الله عن سائر الناس.




دعوة إلى الكمال: السير نحو قداسة الله


يختم الإصحاح الخامس بدعوة سامية: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل". هذا الكمال ليس في العصمة من الخطأ، بل في السعي الدائم نحو النضج الروحي والامتلاء من محبة الله. إنها دعوة للتشبه بالله في الرحمة، والصدق، والطهارة، والسلام.




ختاما، إن الإصحاح الخامس من إنجيل متى يقدم خارطة طريق لحياة المؤمن الحقيقي. يبدأ بالإعلان عن بركات ملكوت الله لمن يحملون صفاته، وينتهي بدعوة إلى الكمال في المحبة والنقاء. يدعو المسيح كل واحد منا لأن يعيش الإيمان لا كمجرد عقيدة، بل كأسلوب حياة يُظهر الله للعالم من خلال المحبة، السلام، والبر.

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url