آخر المواضيع 📰
جاري التحميل...

هل العهد القديم هو نفسه التوراة؟

هل التوراة هي نفسها العهد القديم؟
هل العهد القديم هو نفسه التوراة؟

تُعد الكتب المقدسة في الديانات الإبراهيمية من أهم المصادر التي ترسم ملامح العقيدة والتاريخ والهوية الدينية. ومن بين أكثر الأسئلة التي تُطرح في هذا السياق: هل العهد القديم هو نفسه التوراة؟ كثيرون يستخدمون هذين المصطلحين بالتبادل، لكن هل هما فعلاً متطابقان من حيث المحتوى والمفهوم؟ في هذا المقال، سنقوم باستكشاف هذا الموضوع بعمق، من خلال تحليل المعاني والمضامين التاريخية واللاهوتية لكلا المصطلحين، مستندين إلى مصادر دينية وتاريخية موثوقة. كما سنسلّط الضوء على الفروق الدقيقة بينهما من حيث الأصل، التكوين، والاستخدام في التقاليد اليهودية والمسيحية.


أقرأ ايضا:

ما هو تعريف العهد القديم؟
ما هو العهد القديم؟
ما هو تعريف الكتاب المقدس؟
هل الكتاب المقدس هو نفسه الإنجيل؟



ما هو الفرق بين التوراة والعهد القديم؟


التوراة والعهد القديم يُعدان من أقدم وأهم الكتب الدينية في التراث اليهودي والمسيحي، لكنهما لا يتطابقان في المعنى أو في المضمون. التوراة، وهي كلمة عبرية تعني "التعليم" أو "الناموس"، تشير تحديداً إلى الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس، والتي يُعتقد أن النبي موسى هو كاتبها بإلهام من الله. هذه الأسفار هي: التكوين، الخروج، اللاويين، العدد، والتثنية. تُعرف هذه المجموعة من الأسفار أيضاً بـ"أسفار موسى الخمسة".

أما العهد القديم فهو مصطلح يُستخدم غالباً في السياق المسيحي، ويشمل التوراة بالإضافة إلى كتب أخرى تُعرف بالأسفار التاريخية، الشعرية، والحكمية، وكذلك كتب الأنبياء. يبلغ عدد أسفار العهد القديم عند المسيحيين البروتستانت 39 سفراً، بينما يضيف الكاثوليك والأرثوذكس بعض الأسفار الأخرى المعروفة بالأسفار القانونية الثانية.

إذاً، نستطيع القول إن التوراة هي جزء من العهد القديم، ولكن العهد القديم أوسع وأشمل، ويضم أسفاراً كثيرة لا توجد في التوراة. كما أن السياق الديني الذي يُستخدم فيه كل مصطلح يختلف، حيث تعتبر التوراة المرجعية الأساسية في اليهودية، في حين يُنظر إلى العهد القديم كجزء من الكتاب المقدس المسيحي الذي يكتمل بالعهد الجديد.




ما هي مكونات التوراة حسب العقيدة اليهودية؟


في العقيدة اليهودية، تُعتبر التوراة أقدس جزء من الكتاب المقدس اليهودي المعروف بـ"التناخ". تتكون التوراة، كما ذكرنا، من خمسة أسفار تُنسب إلى النبي موسى. وهذه الأسفار لا تُعتبر مجرد تاريخ أو سرد ديني، بل تحتوي على قوانين، شرائع، تعاليم دينية، وأحداث مفصلية في حياة بني إسرائيل.

  1. سفر التكوين (בראשית - برشيط): يتناول بداية الخليقة، قصة آدم وحواء، الطوفان، وظهور إبراهيم كأب للأمة العبرانية.
  2. سفر الخروج (שמות - شموت): يركّز على خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى واستلام الوصايا العشر.
  3. سفر اللاويين (ויקרא - ويكرا): يحتوي على قوانين وشعائر العبادة والطقوس الدينية.
  4. سفر العدد (במדבר - بمدبار): يروي تجوال بني إسرائيل في البرية لمدة أربعين سنة.
  5. سفر التثنية (דברים - دِباريم): عبارة عن خطب موسى الأخيرة قبل وفاته ويكرّر فيها التشريعات ويحث الشعب على الطاعة.

تُقرأ هذه الأسفار في المعابد اليهودية بشكل دوري، وهي مكتوبة على لفائف تُسمى "سفر التوراة"، وتُعامل بتقديس واحترام بالغ. كما تشكّل التوراة الأساس الذي بُنيت عليه بقية الكتابات الدينية اليهودية، مثل التلمود والمشنا.




كيف يختلف العهد القديم في المسيحية عن التوراة؟


العهد القديم، كما يُعرّفه المسيحيون، ليس مجرد أسفار موسى الخمسة، بل هو مجموعة واسعة من النصوص التي تتضمن التوراة كأساس، لكنها تمتد لتشمل كتب الأنبياء مثل إشعياء وإرميا، والأسفار الشعرية مثل المزامير والأمثال، والأسفار التاريخية مثل يشوع وصموئيل وملوك.

من ناحية الترتيب، يختلف ترتيب الأسفار في العهد القديم المسيحي عن ترتيبها في التناخ اليهودي. فبينما ينتهي التناخ بسفر أخبار الأيام، ينتهي العهد القديم المسيحي بسفر ملاخي، تمهيداً للعهد الجديد الذي يبدأ بإنجيل متى.

كما أن النسخ المختلفة من العهد القديم بين الطوائف المسيحية تختلف في عدد الأسفار. فالبروتستانت يكتفون بـ 39 سفراً، بينما يعترف الكاثوليك بـ 46 سفراً، ويضيف الأرثوذكس أيضاً بعض الأسفار التي لا يعترف بها البروتستانت.

أيضاً من ناحية اللاهوت، يُنظر إلى العهد القديم في المسيحية كنبوءات وتمهيد لمجيء المسيح، وهذا ما يجعله مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالعهد الجديد. في حين أن التوراة في اليهودية لا تحتوي على هذه النظرة المسيانية بنفس الشكل، بل تركز على الشريعة والهوية القومية والدينية لشعب إسرائيل.



لماذا يتم الخلط بين العهد القديم والتوراة؟


يرجع سبب الخلط بين مصطلحي "العهد القديم" و"التوراة" إلى عدة عوامل. أولها أن التوراة تُعد الجزء الأقدم من العهد القديم، وتُشكّل اللبنة الأساسية فيه. وبالتالي، يستخدم البعض مصطلح التوراة للإشارة إلى العهد القديم كله، خاصة في السياقات غير المتخصصة.

ثانياً، في بعض الترجمات والكتابات العامة، يتم استخدام المصطلحين دون توضيح الفروق الدقيقة بينهما، مما يؤدي إلى التباس في الفهم. كما أن بعض الديانات أو الطوائف قد تعمد إلى استخدام مصطلح دون الآخر لتسليط الضوء على جانب معين من النصوص المقدسة.

ثالثاً، هناك تأثير ثقافي وإعلامي في نشر هذا الخلط، حيث لا يتم أحياناً التفريق بين اليهودية والمسيحية من حيث النصوص المرجعية. فالتوراة هي الأساس في الديانة اليهودية، بينما العهد القديم هو قسم من الكتاب المقدس المسيحي، وهو ما يربك غير المتخصصين.

من المهم توضيح هذه الفروق لا فقط لفهم التراث الديني بل أيضاً لاحترام خصوصية كل ديانة وفهم كيف تتشكل معتقداتها ونصوصها المقدسة. وبهذا الوضوح، يمكن بناء حوار ديني أكثر احتراماً ودقة بين أتباع الأديان المختلفة.




في النهاية، يتبيّن لنا أن التوراة والعهد القديم ليسا متطابقين، رغم وجود تقاطع بينهما. التوراة هي جزء جوهري وأساسي من العهد القديم، لكنها لا تمثله بالكامل. الفهم الدقيق لهذين المصطلحين يعزز من وعينا الديني والثقافي، ويمكّننا من التمييز بين العقائد والنصوص المختلفة في الديانتين اليهودية والمسيحية. كما أن إدراك هذه الفروق يساعد في بناء جسور من الفهم والاحترام بين أتباع الديانات الإبراهيمية، ويُغني النقاشات اللاهوتية والفكرية.

المعرفة الدقيقة بمكونات الكتب المقدسة ليست رفاهية فكرية، بل ضرورة لفهم جذور الديانات والعلاقات التي تربط بينها، كما تفتح المجال لفهم التاريخ والهوية بطريقة أعمق وأكثر إنصافاً.

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url