تفسير إنجيل مرقس الأصحاح الرابع الفصل 4

تفسير إنجيل مرقس الأصحاح 4 الفصل الرابع
تفسير إنجيل مرقس الأصحاح الرابع الفصل 4

يُركز الأصحاح الرابع من إنجيل مرقس بشكل كبير على أسلوب يسوع في التعليم باستخدام الأمثال، وهي قصص بسيطة من الحياة اليومية تُخفي وراءها حقائق روحية عميقة. هذا الأصحاح لا يقدم فقط بعضًا من أشهر أمثال يسوع، بل يكشف أيضًا عن سبب استخدامه لهذا الأسلوب في التعليم، والهدف من وراءه: كشف أسرار ملكوت الله للمستعدين لإدراكها، وإخفائها عن أولئك الذين يقسون قلوبهم. بالإضافة إلى الأمثال، يُظهر الأصحاح سلطان يسوع على الطبيعة، مؤكدًا هويته الإلهية وقدرته على تهدئة العواصف. من خلال هذه النصوص، ندخل إلى عمق التعليم المسيحي ونفهم أهمية الإيمان والاستماع الفعال لكلمة الله.




شاهد أيضا:

دليل شامل لفهم إنجيل متى في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل لوقا في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل يوحنا في العهد الجديد




تفسير إنجيل مرقس الأصحاح الرابع الفصل 4


1. وَابْتَدَأَ أَيْضًا يُعَلِّمُ عِنْدَ الْبَحْرِ. فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ جِدًّا، حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ سَفِينَةً وَجَلَسَ فِيهَا عَلَى الْبَحْرِ، وَالْجَمْعُ كُلُّهُ كَانَ عَلَى الأَرْضِ عِنْدَ الْبَحْرِ. (مرقس 4: 1)

2. وَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيرًا بِأَمْثَالٍ. وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: (مرقس 4: 2)

3. "اِسْمَعُوا! هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ. (مرقس 4: 3)

4. وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ، وَقَعَ بَعْضٌ عَلَى الطَّرِيقِ، فَجَاءَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُ. (مرقس 4: 4)

5. وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى مَكَانٍ مُحْجِرٍ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَةٌ، فَنَبَتَ حَالًا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ تُرْبَةٍ. (مرقس 4: 5)

6. وَلَمَّا أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، احْتَرَقَ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ، جَفَّ. (مرقس 4: 6)

7. وَسَقَطَ آخَرُ فِي الشَّوْكِ، فَطَلَعَ الشَّوْكُ وَخَنَقَهُ، فَلَمْ يُعْطِ ثَمَرًا. (مرقس 4: 7)

8. وَسَقَطَ آخَرُ فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ، فَأَعْطَى ثَمَرًا مُعْطِيًا وَصَانِعًا: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ، وَآخَرُ سِتِّينَ، وَآخَرُ مِئَةً." (مرقس 4: 8)

9. وَقَالَ لَهُمْ: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!" (مرقس 4: 9)

10. وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ، سَأَلَهُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ عَنِ الْمَثَلِ. (مرقس 4: 10)

11. فَقَالَ لَهُمْ: "قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا لِأُولَئِكَ الَّذِينَ فِي الْخَارِجِ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ بِأَمْثَالٍ، (مرقس 4: 11)

12. لِكَيْ يُبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَمَاعًا وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ." (مرقس 4: 12)

14. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "أَمَا تَفْهَمُونَ هَذَا الْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَفْهَمُونَ جَمِيعَ الأَمْثَالِ؟ (مرقس 4: 13)

اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ الْكَلِمَةَ. (مرقس 4: 14)

15. وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَلَى الطَّرِيقِ: حَيْثُ تُزْرَعُ الْكَلِمَةُ، وَمَتَى سَمِعُوا، يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ الْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ. (مرقس 4: 15)

16. وَهَؤُلاَءِ كَذَلِكَ هُمُ الَّذِينَ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ: الَّذِينَ مَتَى سَمِعُوا الْكَلِمَةَ، يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، (مرقس 4: 16)

17. وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ. فَمَتَى حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ، فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ. (مرقس 4: 17)

18. وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا فِي الشَّوْكِ: هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، (مرقس 14: 18)

19. وَهُمُومُ هَذَا الْعَالَمِ، وَغُرُورُ الْغِنَى، وَشَهَوَاتُ بَاقِيَةٌ، تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ. (مرقس 4: 19)

20. وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ زُرِعُوا فِي الأَرْضِ الْجَيِّدَةِ: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ، وَآخَرُ سِتِّينَ، وَآخَرُ مِئَةً." (مرقس 4: 20)

21. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِكَيْ يُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ؟ (مرقس 4: 21)

22. لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ. (مرقس 4: 22)

23. إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!" (مرقس 4: 23)

24. وَقَالَ لَهُمُ: "انْظُرُوا مَاذَا تَسْمَعُونَ! بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. (مرقس 4: 24)

25. لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ." (مرقس 4: 25)

26. وَقَالَ: "هَكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا أَلْقَى الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، (مرقس 4: 26)

27. وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ. (مرقس 4: 27)

28. لأَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ ثَمَرًا مِنْ ذَاتِهَا: أَوَّلًا نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلًا، ثُمَّ قَمْحًا مَلْآنًا فِي السُّنْبُلِ. (مرقس 4: 28)

29. وَمَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ، لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ." (مرقس 4: 29)

30. وَقَالَ: "بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُهُ؟ (مرقس 4: 30)

31. مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ، فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُذُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. (مرقس 4: 31)

32. وَلَكِنْ مَتَى زُرِعَتْ، تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا."1 (مرقس 4: 32)

33. وَبِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمُ الْكَلِمَةَ حَسَبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا. (مرقس 4: 33)

34. وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ، فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ. (مرقس 4: 34)

35. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، لَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ: "لِنَعْبُرْ إِلَى الْعَبْرِ." (مرقس 4: 35)

36. فَصَرَفُوا الْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي السَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضًا سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. (مرقس 4: 36)

37. فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ السَّفِينَةَ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. (مرقس 4: 37)

38. وَكَانَ هُوَ فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: "يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟" (مرقس 4: 38)

39. فَقَامَ وَانْتَهَرَ الرِّيحَ وَقَالَ لِلْبَحْرِ: "اسْكُتْ! اِبْكَمْ!" فَهَدَأَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. (مرقس 4: 39)

40. وَقَالَ لَهُمْ: "مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هَكَذَا؟ كَيْفَ لَيْسَ لَكُمْ إِيمَانٌ؟" (مرقس 4: 40)

41. فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا وَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: "مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!" (مرقس 4: 41)








1. مثل الزارع وتفسيره: استجابات مختلفة لكلمة الله


يعود يسوع ليعلم عند البحر، وتتجمع حوله الجموع الغفيرة، لدرجة أنه اضطر إلى الدخول في سفينة والجلوس فيها ليعلمهم من بعيد. يبدأ يسوع بتعليمهم "كثيرًا بِأَمْثَالٍ"، ويستهل بأحد أشهرها: مثل الزارع.

يصف يسوع في هذا المثل أربع أنواع من التربة التي تسقط عليها البذور:

  • التي على الطريق: حيث تُزرع الكلمة، "وَمَتَى سَمِعُوا، يَأْتِي الشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ الْكَلِمَةَ الْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ". هؤلاء هم الذين يسمعون الكلمة ولكنهم لا يستقبلونها بجدية أو لا يفهمونها، فيأتي الشيطان ويسرقها منهم قبل أن تتجذر.


  • الأماكن المحجرة: "الَّذِينَ مَتَى سَمِعُوا الْكَلِمَةَ، يَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ. فَمَتَى حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ، فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ." هؤلاء يستقبلون الكلمة بحماس مبدئي، لكنهم يفتقرون إلى العمق والثبات، فينحرفون سريعًا عندما تأتي التحديات أو الاضطهادات.


  • التي زُرِعَتْ في الشوك: "هَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ، وَهُمُومُ هَذَا الْعَالَمِ، وَغُرُورُ الْغِنَى، وَشَهَوَاتُ بَاقِيَةٌ، تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ الْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ." هؤلاء يسمعون الكلمة، لكن اهتمامات الحياة اليومية والمادية، مثل القلق بشأن المال والشهوات، تخنق الكلمة وتمنعها من النمو أو الإثمار.


  • الأرض الجيدة: "الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ: وَاحِدٌ ثَلاَثِينَ، وَآخَرُ سِتِّينَ، وَآخَرُ مِئَةً." هؤلاء يمثلون القلوب المفتوحة والمستعدة التي تستقبل الكلمة وتفهمها وتطبقها، فتأتي بثمر وفير في حياتهم.



بعد أن قال المثل، أردف يسوع بعبارته الشهيرة: "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!" مما يشير إلى أن هناك معنى أعمق يجب الانتباه إليه. عندما كان يسوع وحده مع تلاميذه الاثني عشر وبعض من حوله، سألوه عن معنى المثل. هنا يفسر يسوع سبب استخدامه للأمثال: "قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ اللهِ. وَأَمَّا لِأُولَئِكَ الَّذِينَ فِي الْخَارِجِ، فَكُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ بِأَمْثَالٍ، لِكَيْ يُبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَمَاعًا وَلاَ يَفْهَمُوا، لِئَلاَّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ." هذا المقطع، المقتبس من سفر إشعياء، لا يعني أن يسوع كان يريد منع الناس من التوبة، بل يصف حقيقة أن البعض يقسي قلوبهم على كلمة الله، فتصبح الأمثال لهم حواجز بدلًا من أن تكون كاشفة. أما الذين لهم قلب مفتوح، فيُعطى لهم فهم أسرار الملكوت.






2. أمثال أخرى عن ملكوت الله: النمو والإعلان


يتبع يسوع بمثلين قصيرين آخرين ليزيد من فهم ملكوت الله وطريقة عمله:

  • مثل السراج: "هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِكَيْ يُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ." هذا المثل يؤكد أن الحق الذي جاء به يسوع، والذي هو ملكوت الله، ليس من المفترض أن يبقى مخفيًا. إنه نور سيُعلن ويكشف للجميع، حتى لو كان يُقدم في البداية من خلال أمثال. دور التلاميذ هو نشر هذا النور وهذا الحق.


  • مثل المكيال: "انْظُرُوا مَاذَا تَسْمَعُونَ! بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ." هذا المثل يشجع على الاستماع النشط والفهم الجيد. فكلما استمع الإنسان واهتم بكلمة الله، كلما نال فهمًا أكبر وبركة أعظم. وعلى النقيض، من يتجاهل أو يرفض، سيفقد حتى ما يبدو أنه يملكه.


  • مثل البذار الذي ينمو من تلقاء نفسه: "هَكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا أَلْقَى الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ. لأَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ ثَمَرًا مِنْ ذَاتِهَا: أَوَّلًا نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلًا، ثُمَّ قَمْحًا مَلْآنًا فِي السُّنْبُلِ. وَمَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ، لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ." هذا المثل يؤكد على القوة الذاتية لملكوت الله في النمو. بمجرد زرع البذرة (الكلمة)، فإن الله هو الذي يُنميها. دور الزارع هو الزرع، ولكن النمو هو عمل إلهي مستقل. هذا يمنح الأمل ويخفف الضغط عن التلاميذ، مؤكدًا أن الله هو الذي يعمل في النهاية.


  • مثل حبة الخردل: "بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ اللهِ؟ أَوْ بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُهُ؟ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، مَتَى زُرِعَتْ فِي الأَرْضِ، فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ الْبُذُورِ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ. وَلَكِنْ مَتَى زُرِعَتْ، تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ الْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَانًا كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ السَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا."2 هذا المثل يُسلط الضوء على النمو الهائل لملكوت الله من بداياته المتواضعة. على الرغم من أن ملكوت الله قد يبدأ صغيرًا وغير ملحوظ، إلا أنه سينمو ليصبح كيانًا عظيمًا وشاملًا يوفر المأوى والحماية للكثيرين.


ينهي مرقس هذا القسم التعليمي بالقول إن يسوع "بِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هَذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمُ الْكَلِمَةَ حَسَبَمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا. وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى انْفِرَادٍ، فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلاَمِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ." هذا يؤكد أن الأمثال كانت وسيلة لتبسيط الحقائق المعقدة للجموع، بينما كان يسوع يخصص تفسيرًا أعمق لتلاميذه الذين كانوا مستعدين لفهم المزيد.






3. تهدئة العاصفة: سلطان يسوع على الطبيعة


بعد يوم من التعليم المكثف بالأمثال، يقول يسوع لتلاميذه في المساء: "لِنَعْبُرْ إِلَى الْعَبْرِ" (إلى الشاطئ الآخر من بحر الجليل). يصرف التلاميذ الجموع ويأخذون يسوع معهم في السفينة كما كان، وتتبعهم سفن أخرى صغيرة.



بينما كانوا في طريقهم، "فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ الأَمْوَاجُ تَضْرِبُ السَّفِينَةَ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ". كانت بحيرة الجليل معروفة بعواصفها المفاجئة والشديدة. وفي خضم هذه العاصفة المخيفة، كان يسوع "فِي الْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِمًا"، في مشهد يثير الدهشة والراحة في آن واحد. التلاميذ، وهم صيادون ذوو خبرة ويدركون خطورة الوضع، أيقظوه في رعب وصاحوا: "يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟" سؤالهم يعكس يأسهم وشعورهم بالعجز.



فقام يسوع، وفي موقف يظهر سلطانه المطلق، "انْتَهَرَ الرِّيحَ وَقَالَ لِلْبَحْرِ: اسْكُتْ! اِبْكَمْ!" وعلى الفور، "فَهَدَأَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ". هذه المعجزة لا تُظهر فقط قوة يسوع في تهدئة العاصفة، بل تبرز سلطانه على قوى الطبيعة نفسها، والتي تخضع لكلمته.



بعد أن هدأ العاصفة، وجه يسوع سؤالًا لتلاميذه يكشف عن ضعف إيمانهم: "مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هَكَذَا؟ كَيْفَ لَيْسَ لَكُمْ إِيمَانٌ؟" رد فعل التلاميذ لم يكن مجرد الدهشة، بل "فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا" (خوف أعمق بكثير من خوفهم من العاصفة)، وتساءلوا فيما بينهم: "مَنْ هُوَ هَذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!" هذا السؤال يمثل جوهر الأصحاح: من هو هذا الذي يمتلك هذا السلطان؟ إنها لحظة كاشفة للتلاميذ تظهر لهم أن معلمهم ليس مجرد إنسان عادي، بل هو الرب المتسلط على كل شيء.




خاتمة: الأصحاح الرابع: قوة الكلمة وسلطان الخالق


يُقدم الأصحاح الرابع من إنجيل مرقس رؤية شاملة لتعليم يسوع وسلطانه. من خلال مثل الزارع وتفسيراته، يكشف يسوع عن حقيقة ملكوت الله وكيفية استجابة الناس لكلمته. إن جودة الاستماع والقلب المفتوح هما مفتاحان لفهم الكلمة وإثمارها، بينما الغرور والهموم والاضطهاد يمكن أن تخنقها. الأمثال الأخرى تؤكد على طبيعة ملكوت الله كقوة نمو داخلي لا يمكن إيقافها، ستنمو من بداية متواضعة لتصبح قوة عظيمة تغطي الأرض.



يُختتم الأصحاح بمشهد تهدئة العاصفة، الذي يُعد دليلًا ماديًا قاطعًا على سلطان يسوع الإلهي. هذه المعجزة لا تُظهر فقط قدرته على التحكم في الطبيعة، بل تُبرز أيضًا ضعف إيمان تلاميذه وحاجتهم إلى إدراك عمق هويته. الأصحاح الرابع يدعونا جميعًا إلى فحص جودة "تربتنا" الروحية، وأن نسأل أنفسنا بصدق: كيف نستقبل كلمة الله؟ وإلى أي مدى نُدرك ونثق في سلطان يسوع المطلق على كل الظروف، سواء كانت روحية أو طبيعية؟

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url