تفسير إنجيل مرقس الأصحاح السابع الفصل 7
![]() |
تفسير إنجيل مرقس الأصحاح السابع الفصل 7 |
يُركز الأصحاح السابع من إنجيل مرقس على تعليم يسوع الجذري حول النظافة والطهارة الحقيقية، متجاوزًا التقاليد اليهودية الحرفية ليُسلط الضوء على نقاوة القلب والدوافع الداخلية. يواجه يسوع هنا الفريسيين والكتبة مباشرة، ويدين نفاقهم وتقديمهم تقاليد البشر فوق وصايا الله. كما يُظهر هذا الأصحاح توسعًا جغرافيًا في خدمة يسوع خارج حدود الجليل اليهودية، وصولًا إلى مناطق الأمم (صور وصيداء والديكابوليس)، حيث يُظهر سلطانه على الشفاء لطالبيه من غير اليهود. من خلال هذه الأحداث، يؤكد يسوع أن ملكوت الله ليس محصورًا بعرق أو تقليد، بل هو متاح لكل من يفتح قلبه للحق، ويُبرز أهمية ما يخرج من الإنسان (القلب) على ما يدخل إليه (الطعام).
شاهد أيضا:
دليل شامل لفهم إنجيل متى في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل مرقس في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل لوقا في العهد الجديد
دليل شامل لفهم إنجيل يوحنا في العهد الجديد
تفسير إنجيل مرقس الأصحاح السابع الفصل 7
- (1) تَجَمَّعَ حَوْلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ وَرَهْطٌ مِنَ الْكَتَبَةِ قَادِمِينَ مِنْ قُدْسِ الْأَقْدَاسِ، أُورُشَلِيمَ.
- (2) وَمَا إِنْ لَمَحُوا بَعْضَ تَلَامِيذِهِ يَتَنَاوَلُونَ خُبْزًا وَأَيْدِيهِمْ لَمْ تَنَلْ غَسْلَ الطَّهَارَةِ الْمَعْهُودِ، حَتَّى عَاجَلُوهُمْ بِالْمَلَامَةِ.
- (3) فَفِي دِينِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَجَمِيعِ الْيَهُودِ، لَا يَأْكُلُونَ طَعَامًا مَا لَمْ يُغْسَلُوا أَيْدِيَهُمْ بِحِرْصٍ شَدِيدٍ، إِذْ يَتَمَسَّكُونَ بِتَقَالِيدِ شُيُوخِهِمْ.
- (4) وَعِنْدَ الْعَوْدَةِ مِنَ السُّوقِ، لَا يَأْكُلُونَ إِلَّا بَعْدَ الْاغْتِسَالِ. وَثَمَّةَ عِدَّةُ أُمُورٍ أُخْرَى تَعَلَّمُوهَا لِلِالْتِزَامِ بِهَا بِشِدَّةٍ، مِنْهَا غَسْلُ الْكَأْسَاتِ، وَالْأَبَارِيقِ، وَالْأَوَانِي النُّحَاسِيَّةِ، وَحَتَّى أَسِرَّةِ النَّوْمِ.
- (5) ثُمَّ بَادَرَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ وَالْكَتَبَةُ بِسُؤَالٍ مُنْكِرٍ: "لِمَ لَا يَسِيرُ تَلَامِيذُكَ عَلَى نَهْجِ تَقْلِيدِ الْكِبَارِ، بَلْ يَتَنَاوَلُونَ الْخُبْزَ بِأَيْدٍ لَمْ تُغْسَلْ؟"
- (6) فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: "لَقَدْ صَدَقَ إِشَعْيَاءُ فِي تَنَبُّئِهِ عَنْكُمْ، يَا أَهْلَ الرِّيَاءِ، فَقَدْ كُتِبَ: 'هَذَا الشَّعْبُ يُبْدِي لِي الْإِجْلَالَ بِأَفْوَاهِهِمْ، أَمَّا قُلُوبُهُمْ فَبَعِيدَةٌ عَنِّي كُلَّ الْبُعْدِ.
- (7) وَعِبَادَتُهُمْ لِي بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُمْ يُعَلِّمُونَ أَقْوَالًا مَا هِيَ إِلَّا وَصَايَا بَشَرِيَّةٌ.
- (8) "فَقَدْ هَجَرْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَمَسَّكْتُمْ بِتَقَالِيدِ الْبَشَرِ: كَغَسْلِ الْأَبَارِيقِ وَالْكَأْسَاتِ، وَتَقُومُونَ بِأَفْعَالٍ أُخْرَى كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ."
- (9) ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "مَا أَحْسَنَ فِعْلَكُمْ بِرَفْضِ وَصِيَّةِ اللهِ لِتُلَبُّوا تَقْلِيدَكُمْ!"
- (10) "فَمُوسَى قَدْ قَالَ: 'أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ'، وَمَنْ سَبَّ وَالِدَهُ أَوْ وَالِدَتَهُ فَلْيَمُتْ مَوْتًا."
- (11) "أَمَّا أَنْتُمْ فَتُعْلِنُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: مَا سَتَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي هُوَ 'قُرْبَانٌ' (أَيْ هَدِيَّةٌ مُكَرَّسَةٌ لِلْإِلَهِ)،"
- (12) "فَلَا تَتْرُكُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَدِّمُ أَيَّ عَوْنٍ لِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ."
- (13) "بِذَلِكَ تُبْطِلُونَ كَلِمَةَ اللهِ الْعَلِيَّةَ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي تَوَرَّثْتُمُوهُ. وَهَذِهِ الْأُمُورُ الْفَاسِدَةُ كَثِيرَةٌ تُبَاشِرُونَهَا."
- (14) ثُمَّ دَعَا الْجَمْعَ كُلَّهُ وَأَمَرَهُمْ: "أَصْغُوا إِلَيَّ بِتَمَامِكُمْ وَادْرِكُوا الْحَقِيقَةَ:
- (15) لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ خَارِجِيٌّ يَدْخُلُ الْإِنْسَانَ بِقُدْرَتِهِ أَنْ يُدَنِّسَهُ، بَلْ إِنَّ الْأُمُورَ الَّتِي تَنْبَعِثُ مِنْ دَاخِلِهِ هِيَ وَحْدَهَا مَا يُلَوِّثُهُ."
- (16) مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمَاعِ، فَلْيُصْغِ بِانْتِبَاهٍ!
- (17) وَعِنْدَمَا دَخَلَ بَيْتًا بَعِيدًا عَنِ الْحَشْدِ، سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ.
- (18) فَقَالَ لَهُمْ: "أَفَأَنْتُمْ أَيْضًا لَا تَزَالُونَ تُعْوِزُونَ الْفَهْمَ؟ أَلَا تُدْرِكُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدَنِّسَهُ؟"
- (19) "فَإِنَّهُ لَا يَمْضِي إِلَى الْقَلْبِ، بَلْ إِلَى الْجَوْفِ، ثُمَّ يُخْرَجُ إِلَى الْخَلَاءِ، مُطَهِّرًا بِذَلِكَ كُلَّ الْأَطْعِمَةِ."
- (20) ثُمَّ أَكْمَلَ: "بَلْ إِنَّ الَّذِي يَنْبُعُ مِنَ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ، ذَلِكَ يُنَجِّسُهُ."
- (21) "لِأَنَّهُ مِنْ بَوَاطِنِ الْقُلُوبِ الْبَشَرِيَّةِ تَنْبَثِقُ النَّوَايَا الشِّرِّيرَةُ: الزِّنَى، الْفُجُورُ، الْقَتْلُ،"
- (22) "السَّرِقَةُ، الْجَشَعُ، الْخُبْثُ، الْمَكْرُ، الْعَهَارَةُ، الْحَسَدُ (الْعَيْنُ الشِّرِّيرَةُ)، التَّجْدِيفُ، الْكِبْرُ، وَالْجَهْلُ."
- (23) "جَمِيعُ هَذِهِ الرَّذَائِلِ تَنْبُعُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُدَنِّسُ الْإِنْسَانَ بِجُمْلَتِهِ."
- (24) ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَتَوَجَّهَ إِلَى أَقَالِيمِ صُورَ وَصَيْدَاءَ. دَخَلَ بَيْتًا وَرَغِبَ أَلَّا يَعْلَمَ بِوُجُودِهِ أَحَدٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْتَفِيَ.
- (25) فَإِنَّ امْرَأَةً كَانَتِ ابْنَتُهَا مُتَلَبِّسَةً بِرُوحٍ خَبِيثٍ سَمِعَتْ بِأَمْرِهِ، فَأَسْرَعَتْ إِلَيْهِ وَسَجَدَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ.
- (26) وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً، مِنْ جِنْسِ سُورِيَّةَ الْفِينِيقِيَّةِ. وَطَلَبَتْ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا.
- (27) فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: "دَعِي الْأَبْنَاءَ يَشْبَعُونَ أَوَّلًا، فَلَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْأَبْنَاءِ وَيُلْقَى لِلْكِلَابِ."
- (28) فَأَجَابَتْ وَقَالَتْ لَهُ بِإِيمَانٍ: "أَجَلْ يَا سَيِّدُ! فَحَتَّى الْكِلَابُ الَّتِي تَحْتَ الْمَائِدَةِ تَأْكُلُ مِنْ فُتَاتِ الْأَبْنَاءِ."
- (29) فَقَالَ لَهَا: "مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُؤْمِنَةِ، اذْهَبِي. لَقَدْ غَادَرَ الشَّيْطَانُ ابْنَتَكِ."
- (30) فَذَهَبَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا وَوَجَدَتِ الشَّيْطَانَ قَدْ خَرَجَ، وَابْنَتَهَا مُسْتَلْقِيَةً بِسَلَامٍ عَلَى فِرَاشِهَا.
- (31) ثُمَّ غَادَرَ تُخُومَ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْمُدُنِ الْعَشْرِ.
- (32) وَأَحْضَرُوا إِلَيْهِ رَجُلًا أَصَمَّ لَا يَتَكَلَّمُ بِوُضُوحٍ، وَتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ لِيَشْفِيَهُ.
- (33) فَأَخَذَهُ عَلَى انْفِرَادٍ بَعِيدًا عَنِ الْجَمْعِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَبَصَقَ، ثُمَّ لَمَسَ لِسَانَهُ.
- (34) وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَتَنَهَّدَ بِعُمْقٍ، وَقَالَ لَهُ: "إِفَّثَا!" أَيْ: انْفَتِحْ!
- (35) وَلِلْفَوْرِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ، وَانْفَكَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَبَدَأَ يَتَكَلَّمُ بِفَصَاحَةٍ.
- (36) فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لَا يُخْبِرُوا أَحَدًا. وَلَكِنْ، كُلَّمَا أَمَرَهُمْ بِالصَّمْتِ، كَانُوا يَزْدَادُونَ حَمَاسَةً فِي الْإِعْلَانِ.
- (37) فَغَمَرَهُمُ الْإِعْجَابُ الشَّدِيدُ قَائِلِينَ: "لَقَدْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ. جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ."
1. النزاع حول التقاليد: طهارة القلب مقابل طقوس البشر
يبدأ الأصحاح السابع بمواجهة حادة بين يسوع والفريسيين والكتبة القادمين من أورشليم (أي السلطة الدينية العليا)، مما يشير إلى تزايد العداء الرسمي ضده. محور النزاع كان حول "الأيادي الدنسة" لتلاميذ يسوع، أي غير المغسولة، قبل الأكل. يوضح مرقس أن الفريسيين وجميع اليهود كانوا يتمسكون بـ"تقاليد الشيوخ" الصارمة بشأن الغسلات الطقسية للأيدي، وغسل الكؤوس والأباريق وغيرها، وهي تقاليد تفوق متطلبات الشريعة الموسوية الأصلية.
سأل الفريسيون والكتبة يسوع مباشرة: "لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخِ، بَلْ يَأْكُلُونَ خُبْزًا بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ؟" هذا الاتهام كان يعني أنهم يكسرون القانون الشفهي الذي اعتبروه مساويًا أو حتى أعلى من الشريعة المكتوبة.
رد يسوع عليهم بحدة، واصفًا إياهم بـ"المرائين"، ومقتبسًا من نبوة إشعياء (إشعياء 29: 13): "هَذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُمْ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلًا يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ." يشير يسوع إلى أنهم استبدلوا وصايا الله الحقيقية بتقاليدهم البشرية، مما أفرغ عبادتهم من معناها الحقيقي.
ثم أعطى يسوع مثالًا محددًا يوضح نفاقهم: تقليد "قربان". وفقًا للشريعة، يجب على الأبناء إكرام آبائهم وأمهاتهم ودعمهم (خروج 20: 12). لكن الفريسيين اخترعوا تقليد "قربان" (أي هدية مُكرسة لله)، حيث يمكن للشخص أن يعلن أن ماله أو ممتلكاته هي "قربان" لله، وبالتالي يُعفى من استخدامها لمساعدة والديه، حتى لو كانا في حاجة. بهذا، "مُبْطِلِينَ كَلِمَةَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي تَسَلَّمْتُمُوهُ". لقد استخدموا حيلة دينية ليتجنبوا وصية إلهية واضحة.
2. ما ينجس الإنسان: من الخارج أم من الداخل؟
بعد هذه المواجهة مع الفريسيين، دعا يسوع الجموع وقال لهم: "اسْمَعُوا مِنِّي كُلُّكُمْ وَافْهَمُوا: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَارِجِ الإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، لَكِنَّ الأَشْيَاءَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ." هذه كانت نقطة تعليمية ثورية تتجاوز الفهم اليهودي التقليدي للطهارة والنجاسة.
عندما دخل يسوع بيتًا على انفراد، سأله تلاميذه عن معنى هذا القول، مما يدل على أنهم هم أنفسهم لم يفهموا بعد أهميته الكاملة. أجابهم يسوع بتوبيخ لطيف على قلة فهمهم: "أَفَأَنْتُمْ أَيْضًا هَكَذَا بِلاَ فَهْمٍ؟ أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ؟ لأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ إِلَى الْقَلْبِ، بَلْ إِلَى الْجَوْفِ، وَيَخْرُجُ إِلَى الْخَلاَءِ، مُطَهِّرًا كُلَّ الأَطْعِمَةِ." يوضح يسوع أن النظافة ليست مسألة طعام أو طقوس خارجية، بل هي مسألة داخلية. عبارة "مُطَهِّرًا كُلَّ الأَطْعِمَةِ" هي إعلان ضمني بإلغاء قوانين الطعام الخاصة بالعهد القديم، وهي خطوة أساسية لفتح الباب للأمم لدخول ملكوت الله.
ثم يوضح يسوع جوهر التعليم: "إِنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنًى، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُورِ1 مِنَ الدَّاخِلِ تَخْرُجُ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ." هذا التعليم كان جذريًا لأنه يضع التركيز على القلب كمصدر للخطية، وليس على التمسك بالطقوس الخارجية. النقاوة الحقيقية هي نقاوة القلب والأفكار والدوافع، وليس غسل الأيدي أو الأواني.
3. شفاء ابنة المرأة الكنعانية: الإيمان يتخطى الحدود
بعد هذه النقاشات، يترك يسوع منطقة الجليل اليهودية ويتجه "إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ"، وهي مناطق أممية في فينيقيا (لبنان حاليًا). حاول دخول بيت والاختفاء، لكنه لم يستطع أن يختفي بسبب شهرته.
سمعت به "امْرَأَةً كَانَتِ ابْنَتُهَا بِهَا رُوحٌ نَجِسٌ". يصفها مرقس بأنها "أُمَمِيَّةً، وَفِيْنِيقِيَّةَ الْجِنْسِ سُورِيَّةً". أتت هذه المرأة وخرت عند قدمي يسوع، وطلبت منه أن يخرج الشيطان من ابنتها.
جاء رد يسوع الذي يبدو قاسيًا في البداية: "دَعِي الْبَنِينَ يَشْبَعُونَ أَوَّلًا، لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ." يشير "البنين" إلى بني إسرائيل (اليهود)، و"الكلاب" إلى الأمم (وإن كانت الكلمة المستخدمة هنا تعني "الكلاب الصغيرة المدللة" أو "الجرو" وليس الكلاب الضالة، مما يلطف من حدة التعبير). هذا القول يُشير إلى أولوية خدمة يسوع للشعب اليهودي أولًا.
لكن رد المرأة كان مليئًا بالتواضع والإيمان والحكمة: "نَعَمْ يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَحْتَ الْمَائِدَةِ تَأْكُلُ مِنْ فُتَاتِ الْبَنِينَ." لقد قبلت الوصف، لكنها لم تيأس. اعترفت بحق اليهود بالأولوية، لكنها توسلت إلى رحمة يسوع، مشيرة إلى أنها تقبل حتى "الفتات" أو البقايا التي تسقط من مائدة البنين.
إيمانها العظيم أذهل يسوع، فاستجاب لها على الفور: "لأَجْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، اذْهَبِي. قَدْ خَرَجَ الشَّيْطَانُ مِنِ ابْنَتِكِ." وعندما ذهبت المرأة إلى بيتها، وجدت أن ابنتها قد شُفيت تمامًا، والشيطان قد خرج منها. هذه القصة تُظهر أن الإيمان الصادق يمكن أن يفتح الأبواب أمام رحمة الله، حتى لأولئك الذين خارج الدائرة المعتادة لخدمة يسوع، وتُقدم لمحة عن شمولية ملكوت الله.
4. شفاء الأصم الأعقد: لمسة الشفاء الإلهية
يغادر يسوع بعد ذلك مناطق صور وصيداء ويتجه "إِلَى بَحْرِ الْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ الْعَشْرِ الْمُدُنِ" (الديكابوليس)، وهي منطقة أممية أخرى. أحضروا إليه "أَصَمَّ أَعْقَدَ" (أي أصم ويعاني من صعوبة في الكلام بسبب الصمم)، وطلبوا منه أن يضع يده عليه ليشافيه.
أخذ يسوع الرجل "مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى انْفِرَادٍ". ثم قام بأفعال رمزية توضح عملية الشفاء: "وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ، وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَأَنَّ" (أي تنهد بعمق، ربما تعبيرًا عن ألمه على حالته أو عن حزنه على الخطية التي سببت المرض)، وقال له بالآرامية: "إِفَّثَا!" (أَيِ انْفَتِحْ!).
وفورًا، "انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ، وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيمًا." لقد شُفي تمامًا. ورغم أن يسوع "أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ"، إلا أن الناس "كَانُوا يَزْدَادُونَ جِدًّا فِي الْمُنَادَاةِ" بسبب الدهشة العظيمة التي أصابتهم. فقد "بُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدْ فَعَلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَنًا. جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ." هذا الشفاء يُبرز سلطان يسوع على القيود الجسدية، ويُظهر رحمته تجاه من يعانون، ويُؤكد على أن عمله هو عمل صالح وكمال.
خاتمة: الأصحاح السابع: جوهر النقاوة والشمولية الأممية
يُعد الأصحاح السابع من إنجيل مرقس نقطة مفصلية في فهم طبيعة ملكوت الله ورسالة يسوع. من خلال مواجهته مع الفريسيين، يُسقط يسوع القواعد الدينية المتشددة التي تركز على الطقوس الخارجية، ويُعلن أن النقاوة الحقيقية تكمن في القلب والدوافع الداخلية، وليس فيما يدخل إلى الإنسان من طعام أو ما يخرج من يده من غسلات طقسية. هذا التعليم الجذري يمهد الطريق لشمولية الإنجيل.
كما يُسلط الأصحاح الضوء على توسع خدمة يسوع إلى مناطق الأمم، حيث يُظهر رحمته وقوته الشفائية للمرأة الفينيقية وللأصم الأعقد. تُظهر قصة المرأة الكنعانية قوة الإيمان حتى في وجه ما يبدو رفضًا، وتُبرز استعداد يسوع لمد النعمة لمن يتجاوز الحدود الدينية والاجتماعية.
يُعلمنا هذا الأصحاح أن الله يهتم بما هو في قلوبنا أكثر مما يهم بالمظاهر الخارجية، وأن ملكوت الله متاح للجميع بغض النظر عن خلفيتهم أو عرقهم، طالما أنهم يقتربون إليه بالإيمان. هل نُركز في حياتنا على المظاهر الخارجية والتقاليد البشرية، أم على نقاوة القلب والطاعة الحقيقية لكلمة الله؟