تفسير إنجيل متى الإصحاح الثاني الفصل 2

إنجيل متى الإصحاح 2 الفصل الثاني
تفسير إنجيل متى الإصحاح الثاني الفصل 2

يُعدُّ إنجيل متى من أهم الأناجيل الأربعة في العهد الجديد، ويتميز بتركيزه على النبوات التي تحققت في حياة يسوع المسيح، مما يجعله رابطًا جوهريًا بين العهدين القديم والجديد. في هذا المقال، سنقدّم تفسيرًا شاملاً ومنظمًا للإصحاح الثاني من إنجيل متى، مع التوقف عند أهم الأحداث والمعاني الروحية واللاهوتية. يُعتبر هذا الإصحاح مفتاحًا لفهم ولادة يسوع وتفاعل العالم معه، كما يكشف عن مخاطر السلطة الدنيوية في مواجهة الحق الإلهي. 





شاهد أيضا:

هل الكتاب المقدس هو نفسه الإنجيل؟
ما هو تعريف الكتاب المقدس؟
ما هو العهد الجديد؟
تعرف على ترتيب أسفار العهد الجديد





تفسير إنجيل متى الإصحاح الثاني الفصل 2


  • (1) عِنْدَمَا أَبْصَرَ يَسُوعُ النُّورَ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، أَثْنَاءَ حُكْمِ الْمَلِكِ هِيرُودُسَ، بَادَرَ عُلَمَاءٌ مِنَ الْمَشْرِقِ الْبَعِيدِ بِالْوُصُولِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.
  • (2) مُسْتَفْسِرِينَ: «أَيْنَ الْمَلِكُ الْمَوْلُودُ لِلْيَهُودِ؟ لَقَدْ شَاهَدْنَا نَجْمَهُ يُشْرِقُ، وَقَدْ أَتَيْنَا لِنُعْلِنَ لَهُ وَلَاءَنَا.»
  • (3) فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْخَبَرُ مَسَامِعَ الْمَلِكِ هِيرُودُسَ، اعْتَرَاهُ اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ، وَسَرَى ذَلِكَ الْقَلَقُ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.
  • (4) جَمَعَ إِذَنْ كِبَارَ الْكَهَنَةِ وَعُلَمَاءَ الشَّرِيعَةِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، وَسَأَلَهُمْ: «فِي أَيِّ مَوْضِعٍ يُفْتَرَضُ أَنْ يُولَدَ الْمَسِيحُ؟»
  • (5) فَأَجَابُوهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فَكَذَلِكَ قَدْ دُوِّنَ بِيَدِ النَّبِيِّ:
  • (6) 'وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَ، أَرْضَ يَهُوذَا، لَسْتِ بِالْأَدْنَى شَأْنًا بَيْنَ حُكَّامِ يَهُوذَا، لِأَنَّ مِنْكِ سَيَنْبَثِقُ قَائِدٌ يَرْعَى رَعِيَّتِي إِسْرَائِيلَ.'»
  • (7) عِنْدَئِذٍ، دَعَا هِيرُودُسُ الْعُلَمَاءَ خُفْيَةً، وَتَحَرَّى مِنْهُمْ عَنِ الْوَقْتِ الدَّقِيقِ لِظُهُورِ النَّجْمِ.
  • (8) ثُمَّ بَعَثَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمَ وَقَالَ: «انْطَلِقُوا وَابْحَثُوا بِعِنَايَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ، وَمَتَى عَثَرْتُمْ عَلَيْهِ، أَخْبِرُونِي لِأَحْضُرَ أَنَا أَيْضًا وَأُقَدِّمَ لَهُ سُجُودِي.»
  • (9) فَلَمَّا اسْتَمَعُوا لِكَلَامِ الْمَلِكِ، انْطَلَقُوا، وَهَا النَّجْمُ الَّذِي شَاهَدُوهُ فِي الشَّرْقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى وَصَلَ وَثَبَتَ فَوْقَ الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّبِيُّ.
  • (10) وَحِينَ شَهِدُوا النَّجْمَ، عَمَّتْهُمْ فَرْحَةٌ عَارِمَةٌ لَا تُوصَفُ.
  • (11) دَخَلُوا الْمَنْزِلَ، فَرَأَوْا الطِّفْلَ مَعَ أُمِّهِ مَرْيَمَ، فَخَرُّوا عَلَى وُجُوهِهِمْ سَاجِدِينَ لَهُ، ثُمَّ فَتَحُوا صَنَادِيقَ كُنُوزِهِمْ وَقَدَّمُوا لَهُ جَوَاهِرَ: ذَهَبًا وَبَخُورًا وَمُرًّا.
  • (12) وَإِذْ تَلَقَّوْا تَحْذِيرًا فِي حُلْمٍ بِأَلَّا يَعُودُوا إِلَى هِيرُودُسَ، غَادَرُوا فِي طَرِيقٍ مُخْتَلِفٍ نَحْوَ بِلَادِهِمْ.
  • (13) وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ، ظَهَرَ مَلَاكُ الرَّبِّ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: «قُمْ، خُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَابْقَ هُنَاكَ حَتَّى أُعْلِمَكَ، لِأَنَّ هِيرُودُسَ عَازِمٌ عَلَى بَحْثِ الطِّفْلِ لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ.»
  • (14) فَقَامَ وَاصْطَحَبَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ لَيْلًا وَتَوَجَّهَ إِلَى مِصْرَ.
  • (15) وَأَقَامَ هُنَاكَ حَتَّى وَفَاةِ هِيرُودُسَ، لِكَيْ يَتَحَقَّقَ مَا نُطِقَ بِهِ الرَّبُّ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ فِذَّةَ ابْنِي.»
  • (16) حِينَئِذٍ، لَمَّا أَدْرَكَ هِيرُودُسُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ خَدَعُوهُ، اشْتَدَّ غَضَبُهُ جِدًّا، فَأَرْسَلَ قُوَّاتِهِ وَذَبَحَ جَمِيعَ الْأَطْفَالِ فِي بَيْتِ لَحْمَ وَضَوَاحِيهَا، مِمَّنْ هُمْ فِي سِنِّ السَّنَتَيْنِ وَأَقَلَّ، وِفْقًا لِلْوَقْتِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
  • (17) وَعِنْدَئِذٍ، تَحَقَّقَتْ كَلِمَةُ النَّبِيِّ إِرْمِيَا:
  • (18) «صَوْتٌ دَوَّى فِي الرَّامَةِ، نَوْحٌ وَعَوِيلٌ مُتَعَالٍ. رَاحِيلُ تَنْدُبُ أَبْنَاءَهَا، وَتَرْفُضُ أَيَّ سُلْوَانٍ، لِأَنَّهُمْ قَدْ فُقِدُوا.»
  • (19) فَلَمَّا قَضَى هِيرُودُسُ نَحْبَهُ، ظَهَرَ مَلَاكُ الرَّبِّ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي دِيَارِ مِصْرَ،
  • (20) مُنَادِيًا: «قُمْ، خُذِ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَامْضِ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، فَقَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَرَبَّصُونَ بِحَيَاةِ الطِّفْلِ.»
  • (21) فَقَامَ وَأَخَذَ الطِّفْلَ وَأُمَّهُ وَعَادَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ.
  • (22) لَكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ أَرْخِيلاوُسَ يَتَوَلَّى الْحُكْمَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ خَلَفًا لِأَبِيهِ هِيرُودُسَ، خَشِيَ الذَّهَابَ إِلَى هُنَاكَ. وَبَعْدَ أَنْ تَلَقَّى تَوْجِيهًا إِلهِيًّا فِي حُلْمٍ، انْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي الْجَلِيلِ.
  • (23) وَبَعْدَ وُصُولِهِ، اسْتَقَرَّ فِي مَدِينَةٍ تُعْرَفُ بِالنَّاصِرَةِ، لِيَتَحَقَّقَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًّا.»




زيارة المجوس للمسيح الطفل: إعلان عالمي عن ميلاد الملك


عند بداية الإصحاح الثاني، نقرأ عن زيارة المجوس القادمين من المشرق إلى أورشليم قائلين: "أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له" (متى 2:2). هذه الزيارة تمثل إعلانًا عالميًا لميلاد المسيح، وتُظهر أن رسالة الخلاص لا تقتصر على اليهود فقط، بل تمتد إلى جميع الأمم.

تُظهر هذه القصة أهمية البحث عن الحقيقة، وقدرة الله على استخدام الوسائل الطبيعية (كنجمة في السماء) لجذب القلوب الباحثة. كما تُشير إلى رغبة المجوس في تقديم السجود لا كرمزٍ سياسي، بل كاعتراف بألوهية هذا الطفل.




هيرودس الملك وخوف السلطة من الحق الإلهي


أُصيب الملك هيرودس بالاضطراب عندما سمع عن ميلاد "ملك اليهود"، مما يكشف عن توتر العلاقة بين السلطة الزمنية والحق الإلهي. فبدلاً من أن يفرح بخبر ولادة المسيح، رأى فيه تهديدًا لسلطانه، مما دفعه إلى التدبير لمكرٍ خطير.

إن ردّة فعل هيرودس تعكس طبيعة الإنسان المتشبث بالسلطة، والذي قد يلجأ إلى العنف من أجل الحفاظ على مركزه. وهذا يظهر بوضوح عندما طلب من المجوس أن يعودوا ويخبروه بمكان الطفل، زاعمًا رغبته في السجود له.




النجم يقود المجوس إلى بيت لحم: إرشاد إلهي دقيق


بعد مغادرة أورشليم، ظهر النجم من جديد للمجوس، ففرحوا فرحًا عظيمًا. وقد قادهم هذا النجم إلى حيث كان الطفل يسوع مع مريم أمه. هذه اللحظة تمثل قمة اللقاء الروحي بين الباحثين عن الحق وتجلي الله في يسوع.

يؤكد هذا الحدث أن الله لا يترك الذين يطلبونه بصدق، بل يقودهم نحو الحقيقة تدريجيًا. ويوضح أيضًا أن الإيمان لا يحتاج إلى أدلة ضخمة بقدر ما يحتاج إلى طاعة وإصغاء لقيادة الله.




تقديم الهدايا: الذهب واللبان والمر


عند دخول المجوس إلى البيت، سجدوا للطفل وقدموا له هداياهم: ذهبًا ولبانًا ومرًا. ولكل من هذه الهدايا رمز ومعنى لاهوتي عميق.

  • الذهب: يشير إلى الملكية، في إعلان واضح أن يسوع هو ملك.
  • اللبان: يُستخدم في العبادة، ويدل على لاهوت المسيح.
  • المر: رمز للألم والموت، مشيرًا إلى الصليب الذي سيحمله لاحقًا.

هذه الهدايا تعكس فهم المجوس العميق لهوية المسيح، وقد أصبحت من أبرز رموز الميلاد في المسيحية.





تحذير المجوس في الحلم: حماية إلهية من المكر


أُوحي إلى المجوس في حلم بألا يعودوا إلى هيرودس، فانصرفوا في طريق آخر إلى بلادهم. هنا نرى تدخل الله المباشر لحماية ابنه ومَن يخدمون مقاصده.

تؤكد هذه القصة سيادة الله على الأحداث، وقدرته على كشف نوايا البشر. كما تُبرز أهمية الإصغاء لصوت الله وعدم الانقياد لمظاهر السلطة الظاهرة.



هروب العائلة المقدسة إلى مصر: تجسيد نبوي للمعاناة


عندما علم يوسف بخطة هيرودس، أُوحي إليه في حلم أن يأخذ الطفل وأمه ويهرب إلى مصر. تمثل هذه الرحلة مشهدًا نبوياً من العهد القديم: "من مصر دعوت ابني" (هوشع 11:1)، وقد استخدمها متى لإظهار تحقيق النبوة في شخص يسوع.

الهروب إلى مصر يُظهر الطاعة الكاملة من يوسف، ويعكس في الوقت نفسه أن المسيح اختبر معاناة البشر منذ طفولته، بما في ذلك الغربة والخوف والفرار.




مذبحة الأطفال: تجلٍ للبشاعة في مواجهة القداسة


بسبب خداع المجوس له، غضب هيرودس وأمر بقتل جميع الأطفال الذكور في بيت لحم من عمر سنتين فما دون. هذا الحدث يُعدّ من أبشع الجرائم في التاريخ، وقد تحقق من خلاله قول إرميا: "صوت سُمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير..." (إرميا 31:15).

هذا المشهد يعكس الشر الكامن في قلوب من يقاومون مشيئة الله، كما يُظهر أن الطريق إلى الخلاص يمر أحيانًا عبر الألم والمعاناة.




العودة إلى أرض إسرائيل والسكن في الناصرة


بعد موت هيرودس، أُوحي إلى يوسف في حلم أن يرجع إلى أرض إسرائيل. لكن لما سمع أن أرخيلاوس ملك على اليهودية مكان أبيه، خاف، فذهب إلى منطقة الجليل وسكن في مدينة الناصرة.

بذلك، تحقق ما قيل بالأنبياء: "إنه يُدعى ناصريًا". وهنا يُظهر متى مرّة أخرى كيف أن كل تفاصيل حياة يسوع كانت خاضعة لمقاصد الله النبوية.




التأمل اللاهوتي والروحي في الإصحاح الثاني


الإصحاح الثاني من إنجيل متى مليء بالدروس الروحية:

  1. سيادة الله: تظهر في قيادة المجوس وتحذيرهم، وحماية المسيح من يد هيرودس.
  2. طاعة الإنسان: يوسف والمجوس استجابوا دون تردد لصوت الله.
  3. تجسيد المعاناة: يسوع بدأ حياته على الأرض لا في قصر ملوكي بل في معاناة وغربة.
  4. تحقيق النبوات: يؤكد متى مرارًا أن يسوع هو المسيح المنتظر.




ختاما، في زمنٍ مليء بالظلم والاضطرابات، يقدّم لنا إنجيل متى الإصحاح الثاني رسالة رجاء. فوسط المكائد والدماء، يولد النور الحقيقي الذي يُنير العالم. زيارة المجوس، وهروب العائلة المقدسة، والعودة إلى الناصرة، كلها ترسم طريقًا خلاصياً تقوده يد الله.

دعوة هذا الإصحاح لنا هي أن نثق بإرشاد الله، ونتمسك برجاء الخلاص في يسوع، ونتعلم الطاعة والإيمان وسط عالمٍ تملؤه التحديات.

مقالات ذات صلة

المنشور التالي المنشور السابق
لا تعليق
أضف تعليق
comment url